في هفوة صحفية فاقت التوقعات، نشرت جريدة لوموند الفرنسية يومه الاثنين 25 غشت الجاري مقالاً مطولاً يمثل الجزء الأول من سلسلة ستة أجزاء مخصصة للملك محمد السادس، تحت عنوان: “أجواء نهاية فترة محمد السادس”.
وما كان يمكن أن يكون تحليلًا رصينًا، تحوّل إلى سردية هزلية، حيث أصبح مرض الملك محور المقال، مع إضافة معلومات مستنسخة سبق نشرها في الصحافة المغربية، وكأن الصحيفة لم تجد أي جديد لتقدمه للقارئ.
المضحك المبكي في المقال أن معظم محتواه ليس سوى ترجمة أو إعادة نشر لما كتبه الصحفي الإسباني إغناسيو سمبريرو، المعروف بعدائه المَرَضي لكل ما هو مغربي، بينما تُساق استنتاجات غير دقيقة حول ابتعاد الملك عن ممارسة السلطة بسبب السفر أو الحالة الصحية، كما لو أن فرنسا تتعامل مع ملك المغرب بنفس أساليب التعتيم التي اعتمدتها مع رؤسائها!
لنتذكر أن مرض الملك محمد السادس لم يكن طابوًا يوماً. بل كان هناك دوماً بلاغ رسمي من الديوان الملكي يوضح حالته الصحية، مع ظهور الملك نفسه في مناسبات عامة، سواء متكئًا على عصاه، أو أثناء استقبال قادة دوليين، أو في المناسبات الدينية، مؤكدًا أن الخدمة الوطنية والسيادة الملكية لا تتوقف أمام وعكة صحية عابرة.
لو حاولت لوموند أن تقرأ التاريخ الفرنسي، لعلمت أن الأمر مختلف كليًا: شارل ديغول، فرانسوا ميتران، فرانسوا هولاند … كلهم خبأوا أمراضهم عن الرأي العام، وكانت الصحافة الفرنسية تكيل البيانات الرسمية المطمئنة فقط. أما في المغرب، الشفافية واضحة، والملك يمارس صلاحياته كاملة، يقود القمم، يترأس الاجتماعات، يزور المدن المتضررة، ويتابع كل الملفات الوطنية الكبرى، من المناخ إلى الصحة والطاقة والتنمية.
ومن المؤكد أن الهجاء الفرنسي لا يساوي شيئًا أمام الوقائع: الملك محمد السادس استقبل الرئيس الفرنسي ماكرون، الرئيس الموريتاني ولد الشيخ الغزواني، وشخصيات دولية بارزة، كل ذلك رغم حالة صحية مؤقتة أو حركات محدودة جغرافياً، مؤكدًا أن المملكة لا تتوقف عند أي عقبة، مهما كان حجمها.
ومهما حاولت لوموند أن تجعل المرض محورًا للجدل، فالتاريخ المغربي يعلمها درسًا قاسيًا: الملك والعرش والشعب، مثلث متين لا يهزه أي تزلزل مؤقت. من معركة وادي المخازن إلى السياسات المعاصرة، ثبّت السلاطين عبر العصور أن المرض لا يوقف الدولة، ولا يعيق الانتصارات، ولا يقوض البيعة.
إن قراءة المقال بتمعّن تكشف التهكم الضمني للصحيفة، ومحاولة خلق أزمة وهمية من واقع صحي وطبي طبيعي، وكأن المواطن الفرنسي يجهل كيف تدير الدول الشقيقة شؤونها بكل احترافية واستقرار. لكن الحقيقة واضحة: المغرب بين أيادٍ أمينة، والشعب يقف خلف ملكه، وهو الضامن الحقيقي لاستمرارية الاستقرار والتنمية، وليس المقالات الفرنسية المستنسخة.
ما نشرته لوموند ليس مجرد هفوة صحفية، بل تجاوز صارخ لأدبيات الميثاق الصحفي المتعارف عليه لدى المؤسسات التي تحترم نفسها قبل قرائها. يبدو أن إغراءات البترول والغاز المجاور للمملكة قد سكبّت الميداد دون أي قياس للمصداقية، وجعلت من الصحافة أداة للتسخيف والتهوين على حساب الحقائق. المغرب لا يحتاج إلى تأويلات هجينة من صحف خارجية، والشعب يعرف أن السيادة الوطنية، والشفافية، والتاريخ الحافل بالإنجازات، هي المقياس الوحيد الذي يحكم أداء ملكه، وليس صفحات مبهمة من جريدة تدعي التحليل وهي تبيع التأويلات. لوموند، مرة أخرى، أثبتت أن الصحافة الأجنبية أحيانًا تختار الإثارة على حساب الحقيقة، وأن احترام الدولة وتاريخها، وقبل ذلك احترام القارئ، ليس خيارًا بل واجب مهني لا يُساوم عليه.
25/08/2025