في محاولة جديدة لتأزيم العلاقات المغربية-الإسبانية، خرج حزب ڤوكس اليميني المتطرف في مليلية المحتلة بمطالبة مثيرة للجدل، دعا فيها وزارة الخارجية الإسبانية إلى استدعاء سفير مدريد من الرباط، بذريعة أن شاباً مغربياً تمكن من دخول جزر الجعفرية المحتلة وتصوير مقاطع فيديو هناك. مطلب يكشف ارتباك الحزب المتطرف وعجزه عن استيعاب أن ما فعله شاب أعزل، بكاميرا هاتف فقط، كان كافياً لهز صورة إسبانيا الرسمية وإرباك روايتها العسكرية.
مرة أخرى يجد حزب ڤوكس نفسه في الزاوية، يوجّه لكمات هوائية ضد المغرب، بعدما تحوّل دخول شاب مغربي إلى الجزر المحتلة إلى ذريعة للتصعيد. لكن على حلبة السياسة المتوسطية، يرد المغرب بصلابة، مثبتاً أن الكلمة العليا تبقى لسيادته التاريخية والقانونية على ثغوره وأراضيه.
دييغو خافيير، منسق الحزب المتطرف في مليلية المحتلة، وصف الحادث بـ”الاستفزاز”، متجاهلاً أن هذه الجزر ليست سوى أراضٍ مغربية محتلة بوجود عسكري هزيل فقد معناه أمام الحقائق الجغرافية والتاريخية. فأن يتحوّل شاب مغربي أعزل إلى كابوس سياسي في مدريد، فذلك وحده كافٍ لفضح هشاشة الاحتلال.
حزب ڤوكس حاول استغلال الحادث لفتح نقاش حول ما يسميه “الفراغ الإداري” في الجزر والثغور، مطالباً بضمها إلى مليلية أو سبتة المحتلتين. لكن هذه المناورة لا تتجاوز حدود الضجيج الانتخابي، لأن الحقيقة الساطعة تقول إن هذه الأراضي مغربية، وستعود يوماً إلى حضن الوطن الأم مهما طال زمن الاحتلال.
وفي لهجة متشنجة، اتهم ڤوكس حكومة مدريد بالانبطاح أمام المغرب، مستشهداً بقرارات سيادية حاسمة مثل إغلاق معبر مليلية سنة 2018، ووقف التهريب المعيشي، وضبط الحدود، ثم تدبير السيادة على المياه المغربية بما في ذلك إنشاء مزارع للأسماك قرب الجعفرية. كلها خطوات قانونية سيادية أربكت المحتل وأظهرت حدود وهمه.
المثير أن ڤوكس يسعى إلى تضخيم حادث فردي وتحويله إلى “معركة كبرى”، بينما الحقيقة أن المغرب هو من يملك الضربة القاضية، إذ أثبت أن سيادته الفعلية حاضرة في البحر والبر، وأن الاحتلال الإسباني يعيش في عزلة قانونية وتاريخية.
لقد كشف حادث دخول شاب مغربي إلى الجزر المحتلة ضعف القبضة العسكرية الإسبانية، تماماً كما أظهر أن كل الضجيج السياسي الذي يثيره ڤوكس لا يساوي شيئاً أمام واقع لا يتغير: الثغور مغربية، المياه مغربية، والسيادة مغربية. أما ڤوكس، فسيبقى مجرد لاعب هاوٍ يلوّح بقبضته في الهواء، عاجزاً عن مجاراة إيقاع المغرب على الحلبة المتوسطية.
أعاد “بن نسناس” الجدل إلى الواجهة، بعدما اقتحم الجزر الجعفرية المحتلة الخاضعة لسيطرة عسكرية إسبانية، متجاوزاً أنظمة المراقبة والرادارات التي لطالما تباهى بها جيش الاحتلال. خطوة بسيطة من شاب أعزل، لكنها كانت كافية لإرباك سلطات الاحتلال وفضح هشاشة سيطرتها على ثغور مغربية مغتصبة.
وللتذكير، فإن الجزر الجعفرية لم تكن يوماً سوى رمزاً للظلم والاستعمار. فقد تحولت في زمن فرانكو إلى سجون معزولة، أودع فيها مناضلو ثورات أمريكا اللاتينية وكبار المقاومين المغاربة. التاريخ يحكي عن قادة ثوار قضوا سنوات طويلة في غياهب هذه الجزر، ومن أبرزهم القائد بوحوت، أحد كبار العسكريين الذين انشقوا عن المستعمر وسخّروا خبرتهم لمساندة ثورة الريف بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي. بوحوت، الذي أسقط آلاف الجنود الإسبان في معارك الريف، انتهى أسيراً في الجعفرية، قبل أن يشفع له تدخل رفيقه السابق، المارشال مزيان، لدى الديكتاتور فرانكو، الذي استجاب في لحظة غرور وأطلق سراحه.
ما أقدم عليه “بن نسناس” لم يكن الأول من نوعه، فقد سبق له أن اقتحم جزر كبدانة المحتلة برأس الماء سنتي 2022 و2023، في مشاهد جسدت تمسك الشباب المغربي بأرضه وثغوره مهما حاول الاحتلال الإسباني تطويقها بالأسلاك والرقابة العسكرية.
وفي المقابل، لم ينس الرأي العام الإسباني حادثاً مشابهاً حين أقدم مواطن إسباني على تسلق ثغر محتل مقابل مدينة الحسيمة ورفع علم الاحتلال، في غفلة من الحراس الذين كانوا يغطون في قيلولة، في مشهد يلخص حالة جيش إسباني تحوّل إلى ظلّ لتاريخ استعماري بائد.
إن اقتحام “بن نسناس” للجزر المحتلة ليس مجرد مغامرة شخصية، بل رسالة سياسية صريحة: الثغور مغربية، والسيادة مغربية، والاحتلال الإسباني هشّ، محاصر بتاريخ أسود وحاضر مرتبك. وما عجزت عنه الجيوش يوماً، يكشفه اليوم شاب مغربي بعدسة هاتفه المحمول، كضربة قاضية على الحلبة المتوسطية في وجه أوهام الاستعمار.
أحد الظرفاء كتب تعليقاً على منصات التواصل الاجتماعي قائلاً: فلتعلم الجارة إسبانيا وقادة أحزابها اليمينية المتطرفة أن المغرب عبر ريفه وصحرائه لقّن أجدادهم دروساً لا تمحى من ذاكرته: من حرب سيدي ورياش إلى معركة خندق الذئب، إلى ملحمة إغريبن وأنوال الخالدة، مروراً بمجزرة العروي واللائحة طويلة… وصولاً إلى المسيرة الخضراء وكسر الأضلاع بإغلاق المعابر الوهمية، ثم ترويض خيول مدريد في ميدان القفز على الحواجز. كل ذلك قبل أن يستوعب عقلاء مدريد أن المملكة المغربية قوة صاعدة تسير بثبات، ولا وقت لها في القيلولة التي تتقنها “إسبانيا الصديقة”.