في منعطف تاريخي حاسم، يعود ملف الصحراء المغربية إلى واجهة الأحداث الدولية، بعدما بات واضحاً أن معركة المستقبل لم تعد تُدار بالبندقية ولا بالشعارات البالية، بل بالحلول الواقعية والتوافقات السياسية. الكاتب الصحراوي حاج أحمد بريك الله، الأمين الأول لحركة صحراويون من أجل السلام (MSP)، رسم في مقال مطوّل خريطة طريق مختلفة تماماً، داعياً إلى أن يتولى الصحراويون الأصليون — أبناء المنطقة الذين عاشوا مرارة الاستعمار الإسباني والمنفى — زمام المبادرة وصياغة مصيرهم بعيداً عن وصاية الجزائر وبروباغندا البوليساريو.
بريك الله لم يتردد في القول إن مشروع البوليساريو يوجد في حالة “غيبوبة سياسية”، وأن الزمن عرّى أوهام الشعارات التي تحوّلت إلى عبء على ساكنة المخيمات. فالرهان على الصراع بين الرباط والجزائر جعل أجيالاً كاملة تعيش في عزلة، فيما تحوّل ما يُسمّى بـ“القضية” إلى سلعة دبلوماسية تتقاذفها الأجندات الإقليمية.
الحل، برأي الأمين الأول لحركة MSP، يكمن في العودة إلى الواقعية: أي الانخراط في دينامية الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب سنة 2007، باعتباره العرض الأكثر جدية ومصداقية. وهو خيار يفتح الباب أمام ضمانات دولية لحقوق الساكنة، ويعيد للصحراويين دورهم الطبيعي كفاعلين حقيقيين، لا مجرد بيادق على رقعة شطرنج تُحركها أيادي خارجية.
وتوقف بريك الله عند محطة بارزة في مسار حركته: انضمامها إلى الأممية الاشتراكية في مؤتمر إسطنبول (ماي 2025)، وهو مكسب دبلوماسي وسياسي أعاد رسم ميزان الشرعية التمثيلية، ليضع البوليساريو في موقف دفاعي. لكن ردّ الجبهة، كالعادة، لم يتجاوز قاموس السبّ والافتراءات وحملات التشويه… أساليب تُشبه حارساً عجوزاً يحاول إخماد نار الواقع بمنخل مثقوب.
اليوم، وبينما يشق المغرب طريقه كقوة صاعدة في إفريقيا والمتوسط، يتكشّف أن ما يُسمى بـ“الجمهورية الصحراوية” لم يكن سوى وهم من ورق وخيمة من قماش… جمهورية الخيام التي وُلدت في عزّ الحرب الباردة ما زالت عالقة في زمنها، تُسَكِّن أتباعها بين وعود التحرير وحصص الإعانات الإنسانية. والحقيقة المؤلمة أن العالم يمضي قدماً، بينما هم عالقون بين رمال تندوف ودهاليز المخابرات الجزائرية.
فهل حان الوقت لطيّ صفحة هذه المسرحية الطويلة؟ الجواب يفرض نفسه: لا مستقبل لجمهورية الخيام إلا في كتب الطرائف السياسية، حيث تُروى كحكاية شعب باعوه أوهام دولة… ليجد نفسه عالقاً في صحراء بلا وطن، ينتظر “استقلالاً” لن يأتي أبداً.
وفي خضم هذه المناورات العقيمة، يظل الموقف المغربي ثابتاً ومرتكزاً على الشرعية الدولية، باعتبار أن قضية الصحراء المغربية حُسمت أممياً عبر قرارات مجلس الأمن، التي تؤكد أن الحل لا يمكن أن يكون إلا سياسياً وواقعياً وعملياً، في إطار سيادة المغرب ووحدته الترابية.
المبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي وصفتها الأمم المتحدة بالجدية وذات المصداقية، أضحت اليوم المرجعية الوحيدة التي تحظى بدعم متنامٍ من القوى الكبرى والمنتظم الدولي، باعتبارها السبيل الأنجع لتحقيق الاستقرار والتنمية في المنطقة.
وفي المقابل، يواصل النظام الجزائري الإرهابي الارتماء وراء سراب “الجمهورية الوهمية”، التي لا تعترف بها الأمم المتحدة ولا أي منظمة دولية جادة، سوى قلة من الدول التي تنسحب تباعاً من هذا الوهم. المفارقة أن الجزائر تنفق الملايير من أموال شعبها على مشروع خاسر، بينما تتراكم داخل حدودها أزمات اجتماعية واقتصادية خانقة.
هكذا، يتضح أن المغرب يسير بخطى ثابتة في انسجام مع الشرعية الدولية، فيما تنشغل الجارة الشرقية بتغذية فقاعات سياسية لا مكان لها إلا في أرشيف الحرب الباردة… فقاعات سرعان ما تتلاشى أمام صخرة الواقع وإرادة الشعوب في التنمية والاستقرار.
27/08/2025