في عملية أمنية دقيقة تحمل أكثر من دلالة، تمكنت السلطات الإسبانية من حجز 44,6 كيلوغراماً من الكوكايين عالي النقاء بميناء الجزيرة الخضراء (جنوب إسبانيا)، بعدما جرى العثور على الشحنة محشوة بذكاء داخل حاوية مُصرّح بأنها تنقل لحوماً مجمّدة قادمة من البرازيل في طريقها إلى الغابون.
العملية، التي نفذتها الشرطة الوطنية الإسبانية بتنسيق مع جهاز المراقبة الجمركية التابع لوكالة الضرائب، جاءت عقب معلومات دقيقة وفرتها أجهزة استخبارات أجنبية حول وجود شحنة مشبوهة. السفينة كانت قد أبحرت من مدينة ماتيلانديا البرازيلية، وكان مقررًا أن ترسو في ليبروفيل عاصمة الغابون، لولا أن يقظة الأجهزة الأمنية أوقفتها في محطة استراتيجية هي الجزيرة الخضراء.
وخلال التفتيش، أسفر تدخل عناصر الأمن عن العثور على 40 طرداً من الكوكايين مخبأة بعناية داخل محرك التبريد الخاص بالحاوية، قبل أن تؤكد التحاليل المخبرية أن المادة المضبوطة عبارة عن مسحوق أبيض شديد النقاء، معد على الأرجح للتوزيع في أسواق أوروبية وإفريقية.
هذا الكشف الجديد يعيد تسليط الضوء على ابتكار الشبكات الإجرامية العابرة للقارات، التي باتت تلجأ إلى وسائل غير تقليدية لتمويه نشاطها، من بينها استغلال شحنات مواد غذائية أساسية مثل اللحوم المجمّدة، في محاولة للتحايل على أنظمة التفتيش. كما يبرز الدور المحوري لميناء الجزيرة الخضراء، المصنف ضمن أبرز البوابات البحرية في البحر الأبيض المتوسط، سواء كمعبر نحو أوروبا أو كنقطة لإعادة توجيه المخدرات صوب غرب إفريقيا.
من جانبها، شددت السلطات الإسبانية على أن العملية لم تكن لتنجح لولا التنسيق الدولي المتقدم بين الأجهزة الأمنية، في إشارة واضحة إلى أن مكافحة تهريب المخدرات لم تعد مسؤولية محلية فحسب، بل أضحت معركة كونية تستدعي يقظة دائمة.
الكمية المحجوزة وُضعت رهن إشارة المحكمة المختصة بالجزيرة الخضراء، التي ستباشر التحقيقات لتحديد خيوط الشبكة وامتداداتها. غير أن السؤال الأعمق يظل قائماً: كم من شحنة أخرى نجحت في الإفلات؟ فالتجربة علمتنا أن ما يُضبط ليس سوى الجزء الظاهر من جبل جليد ضخم، يذوب في ممرات التجارة العالمية تحت غطاء “قانوني” يبيع الوهم في صناديق اللحم المجمّد!
هذا المستجد لا يخص إسبانيا وحدها، بل يعني المغرب والمنطقة برمتها، باعتبار موقعهما الجغرافي على ضفاف المتوسط وعلى مشارف الأطلسي. فالمملكة، بما راكمته من خبرة أمنية ودبلوماسية، أضحت رقماً أساسياً في معادلة محاربة التهريب الدولي للمخدرات، لاسيما مع تنامي التحديات المرتبطة بالحدود البحرية وحركة الملاحة التجارية. وإذا كانت “الجزيرة الخضراء” تُستعمل كمنصة عبور نحو أوروبا، فإن السواحل المغربية بدورها ليست في منأى عن أطماع هذه الشبكات، ما يجعل من تعزيز التعاون المغربي–الإسباني–الإفريقي ضرورة استراتيجية. فالمعركة اليوم لم تعد بين شرطة ومهربين، بل بين دول تسعى لحماية استقرارها ومصالحها، وشبكات عابرة للقارات لا تتردد في دس السم في اللحم المجمّد !
27/08/2025