أكد وزير الشؤون الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، التزام المملكة بالحوار السلمي والمباشر والشفاف والبناء مع إسبانيا، من أجل تحديد الحدود البحرية بين البلدين ضمن إطار صارم من احترام القانون الدولي. وجاء هذا الإعلان خلال افتتاح ندوة حول “الممارسات الدولية في تحديد الفضاءات البحرية”، بتنظيم مشترك مع معهد القانون الدولي، حيث ألقى رئيس الديوان، سامي المرّاكشي، كلمة الوزير نيابة عنه، مؤكداً أن المغرب يسعى دوماً لحل القضايا عبر أسلوب دبلوماسي راقٍ يوازن بين الثوابت الوطنية والانفتاح على الحوار البناء.
وشدّد بوريطة على ثلاثة مبادئ أساسية توجه السياسة البحرية للمغرب: الدفاع عن الوحدة الترابية، واحترام الشرعية الدولية، ورفض أي إجراءات أحادية الجانب. وقال: “كلما واجهنا محاولات فرض الأمر الواقع، تصدينا لها بحزم، مع الالتزام التام بحقوق المغرب في القانون البحري الدولي، بما يرسخ سيادة المملكة ومكانتها الدولية”.
وأوضح الوزير أن الحوار مع إسبانيا يعكس روح حسن الجوار ويأتي في إطار الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، مؤكداً أن اعتماد الحوار يحوّل البحر من خط فاصل إلى جسر للتواصل والتعاون بين الشعوب. كما أبرز الرؤية الاقتصادية للمغرب في المجال البحري، مع التركيز على تطوير الاقتصاد الأزرق واستثمار الإمكانيات المحيطية كرافعة حقيقية للتنمية والتكامل الإقليمي، خصوصاً مع الدول الإفريقية، بما يعكس طموح المملكة في أن تكون مركزاً ديناميكياً للتجارة والطاقة والمبادرات الاستراتيجية.
كما استعرض خطاب الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الـ48 للمسيرة الخضراء، الذي وضع المجال البحري في صلب الاستراتيجية القارية للمملكة، وتجسدت هذه الرؤية في مشاريع ضخمة مثل تطوير ميناء طنجة المتوسط وميناء الداخلة الأطلسي المستقبلي، وتعزيز أسطول وطني قادر على المنافسة الدولية، ما يعكس التوازن بين الطموح الاقتصادي والسيادة الوطنية.
وأوضح بوريطة دور المغرب في المبادرات الدبلوماسية الدولية المتعلقة بالشؤون البحرية، مثل عملية الرباط 2022 التي جمعت 23 دولة إفريقية على المحيط الأطلسي، والمبادرة الملكية لتسهيل وصول دول الساحل إلى الأطلسي 2023، ومشروع خط أنابيب الغاز نيجيريا-المغرب 2016 الذي سيربط 13 دولة إفريقية. ودعا إلى إصلاح حوكمة المحيطات لمواكبة التطورات التكنولوجية والتحديات البيئية وفتح المجال أمام الاستخدامات الجديدة للبحر، مؤكداً أهمية تفعيل اتفاقية التنوع البيولوجي خارج مناطق الولاية الوطنية.
واستعرض الوزير تطور السيادة البحرية المغربية منذ إنشاء البحرية الملكية عام 1960 إلى تبني قوانين 2020 المتعلقة بتحديد المياه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخالصة، وفق اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار 1982، مشيراً إلى حضور المغرب المتميز في المنتديات والمحافل الدولية بمشاركة أبرز القانونيين الدوليين، بمن فيهم محمد بنونة، رئيس معهد القانون الدولي، ويوجي إيواساوا، رئيس محكمة العدل الدولية.
ويختتم المغرب اليوم مساره الدبلوماسي البحري كقوة صاعدة ومحورية على الساحة الإقليمية والدولية، راسخاً مكانته كمرشد للاستقرار والأمن البحري، ومؤطراً للتنمية الاقتصادية عبر استثمار الإمكانيات البحرية، وموطناً للشراكات الاستراتيجية متعددة الأطراف. إن رؤية المملكة المتقدمة تعكس قوة دبلوماسية متوازنة، تجمع بين الالتزام بالقوانين الدولية والطموح الاقتصادي، لتؤكد أن المغرب ليس مجرد بلد ساحلي على الأطلسي، بل لاعب عالمي فاعل قادر على قيادة مشاريع التنمية المستدامة، وتعزيز التكامل الإقليمي والدولي، وصناعة مستقبل المنطقة وفق مقاربة استراتيجية متجددة وحكيمة.
27/08/2025