عشية جلسة مرتقبة ستجري أطوارها يوم غد الخميس 28 غشت الجاري بمحكمة الاستئناف بوجدة، يعيش الشارع المحلي في مدينة أحفير بإقليم بركان، وبلدة بني درار المجاورة بعمالة وجدة أنجاد ، على وقع حالة استنفار غير مسبوقة. القضية ليست عابرة، بل تتعلق بواحد من أخطر الملفات التي تضرب عمق المنطقة الشرقية: ملف البارونين الأخوين عبد الرحيم ومحمد صالحي؛ الأول رئيس المجلس الجماعي السابق لأحفير، عن حزب الأصالة والمعاصرة، والثاني الملقب بـ”الحفلات”، أحد أبرز الأسماء التي ارتبطت لسنوات بشبكات التهريب الدولي للمخدرات من وإلى الجزائر.
الملف الذي اهتزت له الأوساط السياسية والقضائية قبل سنتين عاد اليوم ليُلهب النقاش من جديد. فبينما كان عبد الرحيم صالحي يتباهى بنفوذه السياسي والاجتماعي داخل المجلس، بحكم حماية رئيس جهة الشرق السابق عبد النبي بعيوي ، النزيل بسجن عكاشة على ذمة ملف إسكوبار الصحراء، كان شقيقه محمد ينسج خيوط إمبراطورية عابرة للحدود، تقوده من الظل نحو أضواء البارونات الكبار. حكم بخمس سنوات سجناً نافذاً لكل منهما صدر عن محكمة الاستئناف بوجدة ، قبل أن تنقض محكمة النقض القرار وتعيد الملف إلى نقطة البداية، في خطوة فجّرت سيل التوقعات والرهانات.
لكن المفارقة أن المشهد الأكثر سخونة لم يأت من قاعة المحكمة، بل من خارجها، بعدما خرج سمسار معروف في بني درار ، ليبيع الوهم كما تُباع الخردة في الأسواق، مزهواً بجملة: “وجدوا العرفة والتبريحة على حسابي”، مدعياً أن الصفقة محسومة وأن أبواب الحرية ستُفتح غداً. مشهد يفضح كيف تحولت العدالة في أعين بعض السماسرة إلى مائدة للمساومة، وكيف حُوّل مصير القضايا الكبرى إلى ولائم تحت الطلب.
ورغم الأجواء المشبعة بالتفاؤل المزيّف، تؤكد معطيات قضائية أن الملف ثقيل ومشحون بالأدلة، وأن التهم المرتبطة بالاتجار الدولي للمخدرات ليست مجرد أوراق في ملف، بل خيوط متشعبة تهدد الأمن القومي وتضع الدولة أمام اختبار الهيبة: إما أن يُكرّس منطق القانون فوق الجميع، أو يُترك المجال لسطوة المال والنفوذ كي تعيد إنتاج نفس المعزوفة البالية، معزوفة الإفلات من العقاب.
ولم تتوقف الكواليس عند حدود الشائعات، إذ تسربت أخبار عن قيام وسطاء عبد الرحيم صالحي بدفع 200 مليون سنتيم لشراء الحرية .
غداً ستكون الأنظار مشدودة إلى محكمة الاستئناف بوجدة: عائلة صالحي تُعد الولائم وتتهيأ للتباريح، وسمسار يوزع وعوده كما لو كان قاضياً فوق القضاة، ورأي عام محلي ووطني يترقب النطق بالحكم في ملف يفضح بلا تجميل العلاقة المريبة بين المال والسياسة والجريمة المنظمة.
وغداً حين ترتفع المطرقة، لن يُحسم فقط مصير عبد الرحيم ومحمد صالحي، بل مصير العدالة ذاتها في المغرب الشرقي. فإما أن يُكتب التاريخ على إيقاع “التبريحة” التي يروج لها السمسار وأضرابه، أو يُسجَّل بمداد أسود أن زمن التلاعب انتهى، وأن القانون فوق كل بارون وكل سمسار. الكلمة الأخيرة لن تكون لوعود الكواليس ولا لحقائب الأموال، بل لمطرقة قاضٍ يقرر أن العدالة لا تُباع ولا تُشترى.
ويبقى السؤال الأشد مرارة: هل سيقتصر هذا “العطف” الاستثنائي على ملف الصالحين، أم أن رائحة “المرقة” ستشمل باقي الملفات المتداولة بمحاكم الشرق، من دهاليز وجدة إلى منتجع السعيدية ومشاوي “لمريس”، حيث لا تهدأ الهواتف ولا تنقطع الاتصالات؟ الجواب غداً … والعيون كلها تترقب.
27/08/2025