فضيحة صادمة تفجرت خلال عملية عودة الجالية إلى بلدان الاستقبال، “مرحبا 2025″، حين وجد مجموعة من أفراد الجالية المغربية أنفسهم ضحايا “قرصنة بنكية” وهم في عرض البحر بعد أن اكتشفوا أن تذاكر سفرهم نحو الضفة الإسبانية قد تم دفعها مرتين أو أكثر دون علمهم. 2200 درهم هو الثمن العادي لتذكرة سفر من ميناء طنجة المتوسطي نحو ميناء الخزيرات، لكن بالنسبة لمهاجرين مغاربة تحول هذا المبلغ البسيط إلى كابوس مالي ومعاناة إنسانية، بعدما تبين أن وكالة وشباك شركة “AML المغربية” تورطت في عمليات أداء مشبوهة وضعت سمعة النقل البحري المغربي على المحك.
شركة AML (Africa Morocco Link) هي شركة نقل بحري مغربية تعمل على تأمين رحلات منتظمة بين ميناء طنجة المتوسط وميناء طنجة المدينة في المغرب مع ميناء الجزيرة الخضراء في إسبانيا.
القصة تفجرت عبر مقطع فيديو نشرته سيدة مغربية رفقة عائلتها ومركبتها، حيث سردت تفاصيل صادمة عن طريقة تعامل الوكالة معها. فقد أدت ثمن التذكرة بواسطة بطاقتها البنكية عبر الأداء الإلكتروني، لكن المستخدمين أخبروها بأن “النظام المعلوماتي رفض العملية” وطلبوا منها الدفع نقداً، مع توجيهها بسرعة إلى الشباك الأوتوماتيكي لسحب المبلغ حتى لا يفوتها موعد الرحلة. غير أن المفاجأة الكبرى حدثت بعد صعودها الباخرة، عندما وصلها إشعار من البنك يؤكد أن المبلغ اقتُطع فعلاً من حسابها البنكي، ما يعني أنها أدت ثمن التذكرة مرتين: نقداً وبطاقة.
وما حسبته الضحية حادثة فردية، اتضح أنه سيناريو متكرر تعرضت له مسافرة أخرى على متن نفس الباخرة. فقد وجدت نفسها أمام فخ أشد قسوة بعدما أُبلغت برفض النظام الإلكتروني للعملية رغم استعمالها ثلاث بطائق بنكية مغربية مختلفة، قبل أن تُجبر في النهاية على الدفع بواسطة بطاقة بنكية فرنسية. الكارثة الكبرى أنها اكتشفت لاحقاً أن المبالغ اقتُطعت من جميع البطاقات دفعة واحدة، لتتحول رحلتها إلى مأساة مالية حقيقية.
هذه الشهادات تعري واقعاً صادماً يثير أسئلة جوهرية: هل يتعلق الأمر بخطأ تقني عابر، أم أننا أمام شبكة احتيال منظمة تستهدف المهاجرين المغاربة بالدرجة الأولى، مستغلة ثقتهم ورغبتهم في احترام القوانين؟ الأخطر أن الشركة المعنية لم تبادر إلى معالجة الخلل أو تعويض الضحايا فوراً، تاركة الأسر المهاجرة تواجه مصيراً مجهولاً بين غضب عارم وقلق على مصير أموالها، ما يعزز فرضية التلاعب المتعمد بالمعاملات المالية.
القضية تكشف عن وجه قاتم لمعاناة مغاربة العالم، الذين يشكلون رافعة أساسية للاقتصاد الوطني بتحويلاتهم السنوية التي تتجاوز 100 مليار درهم، لكنهم يجدون أنفسهم في كل موسم سفر فريسة للنصب والاحتيال، سواء في الموانئ أو المطارات أو عبر قنوات يفترض أنها وطنية. هذه الممارسات لا تضرب فقط جيوب المهاجرين، بل تهدد أيضاً ثقتهم في مؤسسات الوطن وتسيء إلى صورة المغرب دولياً.
الفضيحة، التي تتناسل رواياتها من أفواه الضحايا، ليست حادثاً معزولاً كما قد تحاول بعض الجهات تبريره، بل جريمة مالية مكتملة الأركان تستدعي فتح تحقيق قضائي عاجل، وتحديد المسؤوليات بدقة، ومحاسبة كل المتورطين. وإلا فإن سمعة النقل البحري المغربي ستتلقى ضربة قاسية تفتح الباب واسعاً أمام المنافسة الأجنبية لاستقطاب الجالية الباحثة عن خدمات أكثر شفافية ومصداقية.
ويبقى السؤال المعلق بإلحاح: كم من مهاجر آخر وقع ضحية لهذا الفخ دون أن يكتشف الأمر؟ وكم من متضرر اختار الصمت خوفاً من ضياع الوقت والمال؟ أسئلة ثقيلة تُخيم على موسم مرحبا 2025 الذي كان يفترض أن يكون جسراً للوصل والفرح، فإذا به يختتم بخيانة المال والثقة، وكارثة حقيقية تهز ثقة الجالية بالمؤسسات الوطنية وتترك جرحاً عميقاً في نفوس المغاربة في المهجر. هذه الحكاية ليست مجرد فضيحة، بل صرخة مدوية تحذر من أن الوطن لم يعد آمناً في أبسط تفاصيل رحلات أبنائه، وأن الرصيد الأكبر من الثقة والوفاء أصبح رهينة في أيدي من يراهنون على ضعف إجراءات الرقابة والتسيير.
28/08/2025