مرة أخرى، يثبت ميناء بني أنصار أن الزمن في المغرب مجرد “اقتراح” لا أكثر ولا أقل. ثلاث ساعات كاملة من التأخير في رحلة باخرة تابعة لشركة ارماس ترانس ميدتيراني (Armas Trasmediterránea) نحو ألميريا، والركاب يتجرعون المرارة على الأرصفة وكأن الأمر طقس موسمي لا يثير أي دهشة. “عادي جدًا”، يهمس أحدهم وهو يمدد رجليه على أرضية الميناء، بينما آخر يفتح حقيبته ليخرج “صبرًا معلبًا” استعدادًا للانتظار الأبدي.
المفارقة أن نفس الشركة الإسبانية التي تمارس العبث فوق الأرصفة المغربية، تتحول إلى مثال للنظام والانضباط في الضفة الأخرى. هناك، في ألميريا أو في الموانئ المحتلة كسِبتة ومليلية، تسير البواخر على أناملها، حريصة على احترام المواعيد بالدقيقة والثانية، وكأنها تدرك أن أي خطأ صغير سيكلفها غاليًا أمام سلطات تعتبر الزمن جزءًا من كرامة المواطن.
وكتب الفاعل المدني أحمد غودان، المهتم بالشؤون البيئية وحماية الطبيعة، وقائد فريق التجوال الجبلي، عبر صفحته:
في بني أنصار: التفتيش أطول من رحلة البحر نفسها، الأوراق أكثر من عدد الركاب، والبيروقراطية أثقل من الباخرة الحديدية. أما المسافر المغربي، فيخرج من الميناء متوجًا ببطولة “الماراثون الصبري”.
في مالقة: الميناء يشبه لوحة فنية، النظام يسير بانسيابية، البواخر حديثة، والزمن محروس كما لو كان دينًا مقدسًا لا يُمس ولا يُؤخر.
الخلاصة؟ من يقرر ركوب البحر من المغرب لا يكفيه حجز التذكرة فقط، بل عليه أن يضيف إلى فاتورته “باقة صبر غير محدود”، وربما يشتري معها قليلًا من الفكاهة السوداء ليُخفف مرارة العبث. أما من يحلم برحلة بلا أعصاب محترقة وضياع في الانتظار، فالوجهة واضحة: الضفة الأخرى، حيث نفس الشركات الإسبانية تخلع عباءة الفوضى في المغرب لترتدي بذلة الانضباط الأوروبي.
باختصار: البحر واحد، لكن التعامل يختلف… عندنا عبث بلا حساب، وهناك احترام بلا نقاش، والركاب وحدهم من يدفعون ثمن هذه الموازنة العبثية بين العشوائية والفن الأوروبي في النقل البحري.
02/09/2025