في الوقت الذي نجحت فيه جل المدن المغربية في إرساء قواعد واضحة وقوانين تنظيمية صارمة لضبط قطاع سيارات الأجرة، ما زالت مدينة الناظور تشكل استثناءً مثيراً، إذ يعيش هذا القطاع الحيوي حالة من الفوضى غير المسبوقة، بسبب غياب أو عدم تحيين قرارات عاملية تحدد التعريفة وتؤطر العلاقة بين السائق والزبون. هذا التأخر في تفعيل العدادات وتحقيق العدالة في تسعيرة النقل يجعل الناظور تبدو وكأنها خارج السياق الوطني، حيث تستمر معاناة المواطن بشكل يومي مع الارتجال والعشوائية.
يعيش قطاع سيارات الأجرة من الصنف الثاني بمدينة الناظور حالة فوضى عارمة، في ظل غياب قرار عاملي واضح يحدد تسعيرة التنقل، وتأخر تفعيل عداد الأجرة الذي ظل مشروعاً معلقاً منذ سنوات. هذه الوضعية فتحت الباب أمام اجتهادات فردية من بعض السائقين، حيث تختلف التسعيرة من مركبة لأخرى ومن خط لآخر، تاركة المواطن في مواجهة ارتجال يومي يرهق جيبه ووقته.
ففي ظل غياب معايير موحدة، تحولت تسعيرة النقل إلى مزاد مفتوح. فعلى سبيل المثال، الخط الرابط بين وسط المدينة وبشواف أولاد لحسن عبر باصو – طريق عريض مروراً بـ“واد بوسردون” أو “الواد الأحمر” يتراوح بين 10 دراهم قبل الواد و15 درهماً بعده، غير أن العديد من السائقين يفرضون 15 درهماً أو أكثر في المساء قبل حلول فصل الخريف، بينما تتراوح في النهار بين 9 و10 دراهم فقط. ولا يقتصر الإشكال على هذا الخط، بل يشمل أيضاً خطوط براقة، أولاد بوطيب وأحياء أخرى تعيش نفس الفوضى. والمشهد ذاته يتكرر في الاتجاه نحو الناظور الجديد عبر طريق تاويمة، حيث يجد الزبون نفسه مجبراً على الدفع حسب مزاج السائق، في تناقض صارخ: من المفروض أن تكون 10 دراهم فقط إلى حدود محطة الوقود “شال”، و15 درهماً بعد تجاوزها.
هذا التفاوت الصارخ يكشف عن غياب رؤية تنظيمية متكاملة تضبط العلاقة بين السائق والراكب، وتعيد الاعتبار لمفهوم الخدمة العمومية التي يُفترض أن يقوم عليها قطاع سيارات الأجرة. ومع استمرار تأخر تفعيل العدادات التي كان من شأنها وضع حد لهذه الفوضى، وجد المستهلك نفسه في كفّ عفريت: إما الرضوخ لشروط السائق أو التخلي عن الخدمة.
الأخطر في كل هذا أن الوضعية القائمة تمثل خرقاً سافراً لمقتضيات قانون حماية المستهلك، الذي ينص بوضوح على حق المواطن في المعلومة الصحيحة، والشفافية في الأسعار، وضمان عدالة المعاملة. غير أن هذه المقتضيات تبدو وكأنها لا تسري على إقليم الناظور، حيث تُترك حرية تحديد التسعيرة للسائقين دون رقيب أو حسيب، في مشهد يعكس ازدواجية قانونية خطيرة: نصوص وطنية متقدمة معلّقة في الفضاء، وواقع محلي يفرغها من مضمونها.
كما أن غياب أي تصنيف واضح للمناطق والأحياء والحيز الترابي، إلى جانب غياب مقاربة شمولية تراعي خصوصيات المدينة وتوسعها العمراني، أسهما في تعميق الفوضى وتشعبها، لتتحول سيارات الأجرة إلى ساحة تفاوض مفتوحة بين السائق والزبون، بدل أن تكون وسيلة نقل حضري مؤطرة بقانون منظم.
وفي ظل هذا الوضع، بات عامل الإقليم جمال الشعراني عبر القسم الاقتصادي بالعمالة مطالباً بتحريك المياه الراكدة داخل القطاع، خصوصاً في ظل التجاذبات المستمرة بين تمثيليات مهنيي سيارات الأجرة، والتي انعكست سلباً على المواطن العادي الذي يدفع الثمن يومياً دون حماية أو ضمانات.
إن استمرار غياب أي قرار عاملي واضح ومثبت داخل المركبات يحدد التسعيرة وفق الأوقات والفصول والمسافات، جعل الزبون الحلقة الأضعف في هذه المعادلة، فيما يواصل بعض السائقين استغلال الفراغ القانوني لفرض أسعار اعتباطية. وبين الحاجة الملحة إلى التنقل وغياب بدائل حقيقية للنقل الحضري، يبقى المواطن هو الخاسر الأكبر من هذه الفوضى التي طال أمدها، بينما يظل قانون حماية المستهلك حبراً على ورق بإقليم الناظور.
أما عن حال المركبات نفسها، فلا داعي للحديث عن معايير السلامة أو النظافة؛ فالعديد منها مجرد خردة متنقلة، وبعض السائقين يحتاج الركاب إلى الاستعانة بقناع أكسجين لمجرد ركوب السيارة لتفادي الغثيان. وإذا كانت التسعيرة بلا قانون، فإن الركوب بلا أمان يُضفي على الرحلة طابع المغامرة الخطرة، كأنك تشارك في نسخة ناظورية من ألعاب البقاء على قيد الحياة… وعلى الزبون أن يدفع ثمن هذه “التجربة السياحية” أيضاً .
02/09/2025