مع إعادة إحياء فكرة إنشاء نفق بحري تحت مضيق جبل طارق، يعود النقاش حول المشروع العتيق ليطرح تساؤلات حول توقيته وأبعاده، خصوصًا في ظل الاهتمام الإسباني الكبير به مقابل الموقف المغربي الأكثر هدوءًا وتركيزًا على الأولويات الوطنية. يمتد المشروع المقترح على 42 كيلومترًا، منها 27 كيلومترًا تحت الماء، وتقدَّر تكلفته بين 6 و8 مليارات يورو، لكنه ما يزال في مرحلة الدراسات مع غياب التزامات مالية واضحة، وتحديات تقنية وجيولوجية معقدة، ما يثير علامات استفهام حول جدواه الفعلية في تعزيز الموقع الاقتصادي للمغرب.
يأتي النقاش عن النفق في سياق النجاحات الكبيرة للبنية التحتية المغربية، وعلى رأسها ميناء طنجة المتوسط، الذي تحول إلى مركز إقليمي لإعادة شحن البضائع، مع شبكة طرق سريعة تزيد عن 1,800 كيلومتر وربط بالقطار فائق السرعة “البراق” الذي يختصر المسافات بين الشمال والوسط في أقل من ثلاث ساعات. هذه البنية المتكاملة تجعل أي مشروع جديد مطالبًا بتقديم قيمة مضافة حقيقية، بدل تكرار المسارات القائمة، خصوصًا أن تكلفة النفق مرتفعة والمخاطر التقنية والجغرافية كبيرة، مع مقارنة بتجارب عالمية مثل نفق المانش الذي فاقت تكلفته التقديرات الأولية بكثير.
على الصعيد السياسي، لا يُنظر إلى المشروع من منظور المغرب فقط كخيار اقتصادي، بل كرهان بعيد المدى يتطلب شروطًا تقنية ومالية وسياسية دقيقة، في حين تمثل إسبانيا فيه فرصة لإعادة تموضعها داخل الاتحاد الأوروبي وتعزيز نفوذها في الضفة الجنوبية للمتوسط. وبالنسبة للرباط، يظل المشروع ورقة تفاوضية استراتيجية يمكن التفكير فيها مستقبلاً إذا توافرت الشروط المناسبة، لكنه لا يمثل أولوية في الوقت الراهن أمام الاستثمارات الضخمة التي يواصل المغرب تنفيذها في الموانئ والقطارات والطاقة المتجددة، والتي توفر عوائد ملموسة ومباشرة للاقتصاد الوطني.
03/09/2025