كأن عطش الأرض لم يعد مجرد عابر صيف، بل صار قدراً يثقل كاهل المغرب عاماً بعد عام. فمع بداية شتنبر 2025، أصبحت خزائن السدود سوى بثلث طاقتها تقريباً، أي 33,7 في المائة فقط، تعادل 5,66 مليار متر مكعب لا غير. أرقام باردة في ظاهرها، لكنها تخفي وراءها فصولاً من الإنهاك المائي الذي ينهش البلاد منذ مواسم الجفاف المتتالية.
الخريطة المائية تبدو وكأنها لوحة غير متوازنة: في سوس ماسة، لا تتجاوز نسبة الملء 18,3%، أشبه بوعاء فارغ يئن تحت وطأة العطش. ملوية ودرعة واد نون ليست أفضل حالاً. في المقابل، تنعم بعض الأحواض بانتعاش نسبي مثل أبي رقراق بـ63,3% واللوكوس بـ50,3%، لكنها استثناءات لا تُغير من قسوة المشهد العام.
المزارع المغربي، أكثر من غيره، يعيش هذه الأرقام بيديه لا بأذنيه. حقول الحبوب والخضروات والحوامض صارت تواجه شبح الضعف، فيما قنوات السقي تفرغ رويداً رويداً. أما في القرى، فقد تحولت أزمة الماء إلى غضب اجتماعي: نساء وأطفال يقطعون كيلومترات بحثاً عن دلو ماء، وصهاريج متنقلة تجوب الدواوير وكأنها قوافل إغاثة.
الحكومة تحاول: محطات لتحلية مياه البحر، آبار تُحفر في الصخر، سدود صغيرة هنا وهناك. غير أن أصوات الخبراء لا تكف عن التحذير: هذه حلول ترقيعية إذا لم تُرفق بثورة حقيقية في تدبير الاستهلاك، وبوقف النزيف الزراعي الناتج عن محاصيل تبتلع الماء بشراهة.
المغرب اليوم أمام امتحان وجودي: الماء لم يعد مجرد ملف تقني، بل صار سؤالاً عن الغذاء، عن السلم الاجتماعي، وعن المستقبل نفسه. فما قيمة بلد يملك كل شيء… إلا قطرة ماء؟
03/09/2025