لم يكن طواف إسبانيا للدراجات في مرحلته الحادية عشرة مجرد سباق رياضي عابر، بل تحوّل في بلباو إلى لوحة سياسية بامتياز، حيث اخترق صوت فلسطين أزيز العجلات، وأجبر المنظمين على إيقاف السباق قبل ثلاثة كيلومترات من خط النهاية.
المشهد كان أشبه بصرخة جماعية، خرج فيها آلاف من أنصار القضية الفلسطينية في قلب “الغران فيا”، رافعين الأعلام والشعارات، ليحوّلوا الشارع الباسكي إلى مضمار تضامن، وإلى منصة محاكمة علنية لفريق “إسرائيل–بريمير تيك” الذي واصل حضوره في السباق متحديًا كل موجات الرفض الشعبي.
الفريق الإسرائيلي أصدر بيانًا تمسّك فيه بالمشاركة، معتبراً أن الانسحاب “سابقة خطيرة”. لكن الشارع قال كلمته: لا مكان للتطبيع في رياضةٍ تعانق الحرية وتستنشق قيم الكرامة. المنظمون بدورهم أعلنوا نهاية المرحلة دون فائز، واكتفوا باحتساب نقاط الجبال والسبرينت الوسيط، قبل أن يوجّهوا أصابع الاتهام إلى المتظاهرين الذين ـ حسب وصفهم ـ “حرموا الجمهور من فرجة رياضية”.
لكن الحقيقة الأوضح أن بلباو منحت الجمهور فرجة أكبر: مواجهة بين الرياضة والسياسة، بين الصمت والصراخ، بين عجلات تدور في حلقة مفرغة، وأعلام رفرفت لتكتب موقفًا تاريخيًا.
وفي وقت يتهيأ فيه الدراجون لخوض المرحلة الثانية عشرة، تبقى الأسئلة معلقة: هل سيتواصل الضغط الشعبي لفرض انسحاب الفريق الإسرائيلي؟ وهل يمكن للرياضة أن تنجو من السياسة في زمن أصبحت فيه المدرجات والشوارع أجرأ من مقاعد القرار العربي؟
في بلباو، لم يربح أحد على خط النهاية. لكن ربح الباسك احترام الأحرار، وخسرت إسرائيل وهْم الشرعية في مضمار لطالما حاولت استغلاله لتلميع صورتها. وهكذا، يكتب طواف إسبانيا فصلاً جديدًا: حيث السياسة تتقدم على الرياضة، وحيث فلسطين ـ رغم الغياب العربي ـ تركب الدراجة الأسرع نحو وجدان الشعوب.