يكشف التدقيق في نصوص العهد القديم أن ما يسمى بـ”الأرض الموعودة” لم يكن امتداداً جغرافياً شاسعاً كما يروّج له قادة الصهيونية، بل كان يشير إلى أرض كنعان في حقبة إبراهيم عليه السلام، أي فلسطين الحالية التي انتقل إليها من العراق مروراً بالفرات. النصوص ذاتها تبرز أن الوعد الإلهي خُصّص لنسل إبراهيم جميعهم، بمن فيهم إسماعيل الذي ظل جزءاً من العهد بشهادة شروط الختان الواردة في سفر التكوين. غير أن الروايات اللاحقة أضافت صيغاً متناقضة تخص إسحق ويعقوب، ما يفضح الطابع المزاد والمدسوس على النص الأصلي.
وعلى الرغم من هذا التناقض الصريح، واصلت الحركة الصهيونية توظيف التوراة لإرساء مفهوم “أرض إسرائيل الكبرى” وتبرير مشروعها الاستيطاني. الأبحاث الأكاديمية المتخصصة في نقد نصوص العهد القديم أوضحت أن النصوص جمعت عبر روايات متقطعة وشفوية، وأن إسماعيل ــ وهو الابن البكر ــ يظل شريكاً في الإرث والصفة العبرية المنسوبة إلى إبراهيم. هذا التفصيل، الذي تتجاهله القراءة الصهيونية عمداً، يقوّض ادعاء الحصرية في الأرض الموعودة، ويكشف أن المشروع السياسي الإسرائيلي يقوم على انتقاء مجتزأ من نصوص متضاربة.
أما من الناحية التاريخية، فالغالبية من اليهود الحاليين في فلسطين ينتمون إلى الإشكناز، وهم أحفاد الخزر الذين تهوّدوا في القرن الثامن الميلادي بالقوقاز، ولا تربطهم أي صلة نسب بإبراهيم أو أرض كنعان. ومع ذلك، يستند قانون العودة الإسرائيلي إلى اعتبار الانتماء الديني وحده أساساً لمنح المواطنة، في حين يُحرم الفلسطينيون المهجّرون من حقهم في العودة إلى أرضهم رغم الوثائق والأدلة التي يحملونها. هكذا يظهر التناقض الصارخ بين دعوى “الوطن اليهودي” وبين الحقائق التوراتية والتاريخية، لتبقى فلسطين شاهداً على صراع لم يُحسم بالمعرفة ولا بالعدل.
05/09/2025