kawalisrif@hotmail.com

الجوع.. مرآة تكشف هشاشة الحضارة وسقوطها الأخلاقي

الجوع.. مرآة تكشف هشاشة الحضارة وسقوطها الأخلاقي

لم يكن الجوع عبر التاريخ مجرد حاجة بيولوجية، بل كان امتحاناً فلسفياً يمتحن معنى الوجود الإنساني. فهو الفراغ الذي يتجاوز المعدة ليصيب جوهر الكرامة، ويعرّي الحضارات مهما بلغت من قوة ورقيّ، إذ يكفي غياب الخبز يوماً حتى ينهار البناء الرمزي الذي شُيّد على مدى قرون. في لحظات المجاعة الكبرى، لم تكن المعابد الشاهقة أو الأهرامات الضخمة قادرة على إنقاذ الإنسان من مصيره، بل كان الجوع شاهداً على أن الحضارة التي تعجز عن إطعام أبنائها تحمل في طياتها بذور فنائها.

اليوم، يأخذ الجوع أشكالاً أكثر قسوة، بعدما تحول من امتحان تفرضه الطبيعة إلى سلاح بيد الإنسان ذاته. في غزة، لا يتجلى الجوع كحادثة عابرة أو كارثة طبيعية، بل كحصار محكم يقطع الخبز والماء والدواء عن شعب بأكمله. هنا، يتحول الجوع إلى عقوبة جماعية مدروسة، تديرها آلة الحرب والسياسة معاً، فتراه في طوابير طويلة أمام المخابز القليلة، وفي أمهات يخبزن على نار الحطب بعد انقطاع الغاز، وفي أطفال يبحثون عن فتات الطعام بين الركام. هذه الصورة تكشف عجز الحضارة الحديثة عن حماية الإنسان من أبسط أشكال الموت وأكثرها إهانة: الموت جوعاً.

في المقابل، تجسد المبادرة المغربية الأخيرة بإرسال مساعدات إنسانية إضافية إلى غزة بُعداً إنسانياً عميقاً، حيث شملت نحو 100 طن من المواد الغذائية والأدوية الموجهة للفئات الأكثر هشاشة، وخاصة الأطفال. هذه الخطوة، التي جاءت امتداداً لمبادرات سابقة، تعكس إصرار المغرب على ترجمة قيم التضامن إلى فعل ملموس، في وقت يقف فيه العالم متردداً أمام واحدة من أبشع صور الجوع المعاصر. وهكذا، يصبح السؤال مفتوحاً أمام الحضارة جمعاء: أي مجد يمكن أن ندعيه، ونحن نترك مدناً كاملة تموت جوعاً تحت أعيننا؟

06/09/2025

Related Posts