في خطوة استثنائية تعكس تصاعد التوترات السياسية والدبلوماسية في مدريد، تستعد الحكومة الإسبانية للموافقة على حزمة عقوبات ضد إسرائيل، تشمل حظر الأسلحة ومنع استيراد المعدات والمنتجات العسكرية، فضلاً عن إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو شخصية “غير مرغوب فيها” في البلاد. هذه الخطوة، التي يجري التحضير لها في اجتماع الحكومة القادم، تأتي في سياق تصاعد الضغط الشعبي والإقليمي على مدريد للتحرك ضد ما يُسمى “انتهاكات القانون الدولي” في الأراضي الفلسطينية.
نائبة رئيس الوزراء الإسباني، يولاندا دياز، أكدت أن الأحزاب الحاكمة، PSOE وSumar، تعمل على وضع إطار واضح لقطع العلاقات مع “نظام نتنياهو”، ويشمل أيضاً وزيرين إسرائيليين بارزين. هذه الإجراءات ليست مفاجئة، بل تأتي بعد سلسلة تحركات سابقة على مستوى المدن الإسبانية، كان أبرزها تصويت مجلس مدينة برشلونة في ماي الماضي على قطع العلاقات المؤسسية مع إسرائيل احتجاجاً على استمرار الانتهاكات في غزة.
وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن الخطوة الإسبانية، إذا ما تم تنفيذها، ستكون الأولى من نوعها ضمن الدول الأوروبية الكبرى، ما يضع مدريد في مواجهة مباشرة مع تل أبيب ويعيد إشعال النقاش حول دور الاتحاد الأوروبي في حماية القانون الدولي وحقوق الفلسطينيين.
وفي سياق متصل، تتواصل التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين في عدة مدن إسبانية، بينما تتصاعد أحداث الاحتكاك مع الإسرائيليين المقيمين والمسافرين، من بينها شغب أمام مسابقات رياضية، واستفزازات رمزية مثل وضع شعارات “Free Palestine” على وجبات “كوشير” (وهي وجبات معدّة وفق الشريعة اليهودية) في رحلات جوية. هذه التطورات تُبرز حجم الاستقطاب المجتمعي والسياسي حول القضية الفلسطينية، وتضع الحكومة أمام تحدٍ مزدوج: بين الدفاع عن المبادئ الدولية وضغط الشارع، وبين إدارة علاقاتها مع الحلفاء الأوروبيين، وعلى وجه الخصوص ألمانيا.
تحليل الخبراء المغاربة يشير إلى أن موقف مدريد يعكس محاولة لإعادة الاعتبار السياسي والدبلوماسي لإسبانيا في الساحة الدولية، وسط تزايد الحساسيات تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، كما أنه يُظهر قدرة الأحزاب الإسبانية على تحويل الملفات الدولية إلى أدوات ضغط داخلي قبل أشهر من الانتخابات.
ومهما كانت نتائج هذه الخطوة، يبقى المشهد الإسباني دليلاً على أن السياسة الدولية أصبحت مسرحًا مفتوحًا للتجاذبات الداخلية، وأن أي قرار دبلوماسي لا يمكن فصله عن الحسابات السياسية المحلية، وهو ما يجعل من مدريد مسرحاً للسياسة المتقاطعة بين الداخل والخارج، كما لو أن كل اجتماع حكومي أصبح نسخة مصغرة من مسرحية كبرى تُعرض على مسرح العالم.
07/09/2025