تشهد مليلية خلال المرحلة النهائية من عملية “مرحبا 2025”، أو ما يُعرف في إسبانيا بـ Operación Paso del Estrecho (OPE)، تراجعًا غير مسبوق في أعداد المسافرين. فبينما تجاوز إجمالي العابرين عبر مختلف الموانئ المغربية والإسبانية مليونًا ونصف المليون مسافر منذ منتصف يوليوز، لم يسجّل ميناء مليلية سوى 86 ألف مسافر فقط، أي بانخفاض حاد بلغ 40% مقارنة بالعام الماضي، حين تجاوز الرقم 145 ألفًا.
هذا التراجع يعكس فقدان مليلية لمكانتها التقليدية كنقطة عبور رئيسية للجالية المغاربية المقيمة بأوروبا، التي باتت تفضّل الموانئ الوطنية مثل بني أنصار وطنجة المتوسط، نظرًا لجودة الخدمات، وكثافة الرحلات، وكذا لاعتبارات مرتبطة بالسيادة والارتباط بالوطن الأم.
وحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن مصالح الحماية المدنية الإسبانية، فإن حركة النقل البحري بين مليلية السليبة وموانئ الأندلس عرفت انهيارًا ملحوظًا؛ إذ تراجعت الرحلات مع ألميرية بنسبة تفوق 65%، ومع مالقة بأكثر من 50%، بينما انخفضت وجهة موتريل بحوالي 10%. في المجمل، لم تُسجَّل سوى 112 رحلة بحرية منذ بداية مرحلة العودة، مقابل 238 رحلة خلال الفترة نفسها من العام الماضي، أي بتراجع يفوق 53%.
أما فيما يتعلق بالسيارات، فقد عبر من مليلية المحتلة 20 ألف مركبة فقط، مقابل 33 ألفًا في 2024، وهو ما يعادل انخفاضًا يناهز 37%.
وعلى النقيض من هذا التراجع، تبرز الموانئ المغربية – وعلى رأسها طنجة المتوسط وطنجة المدينة وبني أنصار – كوجهات مفضلة لدى أبناء الجالية، حيث تستحوذ خطوط طنجة-الجزيرة الخضراء وحدها على قرابة نصف حركة العبور (46,5%)، تليها طنجة-طريفة بنسبة 12,5%، فيما ارتفعت نسبة خط الناظور-ألميرية إلى 13,3%، ليصبح ثالث أكثر المسارات استعمالًا.
هذه الأرقام تؤكد تحولًا استراتيجيًا في اختيارات الجالية المغربية، التي لم تعد ترى في مليلية المحتلة سوى نقطة عبور ثانوية تفقد بريقها عامًا بعد عام. وهو ما يعكس بوضوح نجاح المغرب في تعزيز مكانة موانئه كمحطات أساسية لعملية “مرحبا”، ويضع سلطات الاحتلال الإسباني أمام واقع اقتصادي وتجاري جديد، حيث تتقلص عوائد المدينة المحتلة مع تراجع دورها في خارطة التنقل عبر المتوسط.
وهكذا، بينما تواصل الموانئ المغربية ترسيخ موقعها كجسر طبيعي بين أوروبا والمغرب، لا تجد مليلية المحتلة سوى التفرج على السفن وهي تعبر من بعيد، وكأنها محطة نُسيت في خريطة المتوسط. ومع كل موسم “مرحبا”، يتأكد أن “المدينة المحاصرة بالحنين” لم تعد سوى ظلّ باهت على الخريطة التجارية، ينكمش معها عدد المسافرين بالوتيرة نفسها التي تنكمش بها أحلام سلطات الاحتلال في الحفاظ على دور استراتيجي كان بالأمس… وصار اليوم مجرّد ذكرى من الماضي.
07/09/2025