طفى مشهد يختزل عبثية تدبير الشأن العام المحلي، يستعد بغداد فنوع، النائب الأول لرئيس جماعة أزغنغان بإقليم الناظور، البالغ من العمر 85 سنة، لمغادرة أسوار سجن سلوان يوم 20 شتنبر الجاري، بعد أن قضى أربعة أشهر خلف القضبان إثر سقوطه في قبضة الرقم الأخضر لمحاربة الرشوة، في واحدة من أكثر الملفات القضائية إثارة للجدل بالمنطقة.
الشيخ الثمانيني، المنتمي لحزب التجمع الوطني للأحرار، لم يُنهِ محنته في صمت، بل تناقلت مصادر مقربة من عائلته تهديداته المباشرة للشاب الذي أوقعه في الفخ، متوعدًا إياه بعبارة: “الويل والثبور… والانتقام آتٍ لا محالة!”. تهديدٌ يثير أكثر من سؤال حول الذهنية التي ما تزال تُصرّ على تحويل مناصب المسؤولية إلى أدوات للانتقام بدل خدمة الصالح العام.
تفاصيل القصة تعود إلى لحظة الكمين الأمني المحكم، حيث ضُبط فنوع متلبسًا بتسلم مبلغ 10 آلاف درهم، ليتم حجز الأموال كدليل قاطع على الجريمة. غير أن ما كان يُفترض أن يشكل نهاية قانونية واضحة، تحوّل إلى فضيحة سياسية وقانونية مدوية بعدما تبين أن رئيس الجماعة ، ومدير المصالح ، لم يُبلغا عامل إقليم الناظور جمال الشعراني بالواقعة، وهو ما سمح لفنوع بالاستمرار في تقاضي تعويضاته الشهرية وكأنه يزاول مهامه بشكل عادي، رغم وجوده خلف القضبان.
هذا السلوك لا يمثل فقط تسترًا فاضحًا، بل يُعتبر انتهاكًا صارخًا للقانون وضربًا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. فالمادة 64 من القانون التنظيمي للجماعات الترابية واضحة: العضو يُعتبر مستقيلاً بمجرد صدور حكم نهائي بالحبس النافذ في جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة أو الأخلاق الحميدة، وهو ما ينطبق تمامًا على حالة الرشوة. الإجراء القانوني كان يفرض إشعار العامل، ثم تمكين المعني بالأمر من أجل الرد خلال شهر، قبل إحالة الملف على المحكمة الإدارية للمطالبة بعزله. لكن غياب هذه المسطرة يطرح علامات استفهام كبرى حول من يحمي فنوع داخل الجماعة؟ ولماذا صمت الرئيس والكاتب العام عن القيام بواجبهم؟ وهل يُعقل أن يبقى عامل الإقليم مكتوف اليدين أمام هذا التلاعب بالقانون؟
القضية اليوم لم تعد مرتبطة بشخص فنوع وحده، بل أصبحت مرآة تعكس اختلالات عميقة في المنظومة الجماعية، وتفضح استمرار عقلية “الإفلات من العقاب” داخل مؤسسات يُفترض أن تكون نموذجًا للشفافية. ومع اقتراب موعد الإفراج عن النائب المثير للجدل، تترقب الساكنة ما إذا كانت الدولة ستتدخل لفرض احترام القانون، أم أن أزغنغان ستدخل في مرحلة جديدة، عنوانها: “الفساد محمي… والرشوة لا تُسقط المناصب !”.
11/09/2025