بقلم: سعيد البوزيدي :
تحت غطاء التدشين الرسمي لمستشفى أكديطال الخاص بالناظور، نُظّم حدث صحي ضخم رافقته خطابات مكرورة عن “التجهيزات الحديثة والبنية التحتية المتطورة” … غير أن بريق الكلمات سرعان ما ينطفئ حين تُفتح الستارة على الواقع: مسرحية استشفائية حيّة، أقرب إلى مسلسل تركي طويل الحلقات، لكن بلا نهاية سعيدة، ولا بطلة تنجو من المقصلة … سوى الفاتورة.
منذ الأيام الأولى للتشغيل، تكررت حالات وفيات مثيرة للجدل، وسط غموض يلف الأسباب والأخطاء الطبية القاتلة منها، في الوقت الذي كانت فيه فواتير المرضى ترتفع بشكل صاروخي تحت شعار ما يسمى بـ”التعريفة المرجعية”. هكذا تحولت التجربة إلى ما يشبه “أخطبوط الفواتير”: تحاليل متكررة بلا مبرر، فحوصات متكررة بالرنين والسكانير، وإقامات مطولة لا علاقة لها بالحاجة الطبية، وكأن الهدف الحقيقي ليس إنقاذ الأرواح بل استنزاف الجيوب.
السياسات التي ترسمها الإدارة العامة تحت إشراف الثنائي “أكْديم – طالب” حوّلت المستشفى الخاص إلى مختبر لتجريب أبشع أشكال التسليع الصحي. تضخيم الفواتير، إطالة مدة العلاج، الضغط على عائلات المرضى… كلها أساليب ترسّخ صورة قاتمة عن القطاع الصحي الخاص بالمنطقة الشرقية، وخاصة في الناظور. لتتحول رحلة البحث عن العلاج إلى رحلة استنزاف مرهقة، تثير أسئلة صادمة عن حدود الربح وغياب الضمير المهني، وعن جدوى الرقابة المفترضة على مثل هذه “المصحات الخاصة”.
أكديطال هنا لم يعد مجرد مستشفى، بل ما يشبه “أكاديمية لتدريس فنون الفوترة والتحايل”:
-المريض يلعب دور الضحية.
-الطبيب يتقمص دور المخرج.
-الفاتورة النهائية هي “الجائزة الكبرى”.
وباختصار ، إذا أردت أن تختبر أعصابك وجيبك معًا، فـ”أكديطال” هو العنوان المناسب. تدخل حيًّا… وتخرج إن كتب لك العمر، لكن في صورة “بنك متنقّل” محمول على أكتاف عائلتك.
أما الأطباء المحليون في الناظور، فيُستعملون كطُعم أولي لاستقطاب الزبائن عبر تسعيرات مغرية، ثم يُترك جل المرضى لاحقًا فريسة لابتزاز منظّم تحت غطاء “النوار – بينك وبيو”. وهو فخ كبير يسقط فيه العديد من الأسماء، في إطار خطة محكمة: استنزاف أولي بأيدي محلية، قبل أن يُستقدم الكادر الأجنبي القادم أساسًا من تونس الشقيقة، براتب شهري ثابت وعمل يومي مرهق، مع تجنيد فرق خاصة للتواصل واستمالة المرضى تحت غطاء “الاطمئنان وقياس جودة الخدمات”، لتحويلهم في النهاية إلى زبائن دائمين.
هكذا يُعاد تعريف المستشفى ، لم يعد مكانًا للعلاج، بل صيدلية بشرية متقنة الإخراج، حيث كل مريض طُعم محتمل، وكل جيب مشروع غنيمة.
والأدهى أن المصحة، ورغم أنها مجهزة بأحدث التجهيزات الطبية وبكامل الأقسام التي تجعلها تبدو كصرح صحي “متكامل الأركان”، إلا أنها تفتقد لشيء واحد فقط: مكتب خاص لتسجيل الوفيات. فلو أُضيف هذا القسم لكانت الخدمة أكثر “اكتمالًا”، بل ربما تحولت إلى خدمة VIP تختصر على العائلات عناء التنقل بين ردهات المستشفى ومكاتب الحالة المدنية!
يتبع :
11/09/2025