شهدت الساحة السياسية الإسبانية تصعيداً غير مسبوق بين نائبة رئيس الحكومة الثانية، يولاندا دياز، وحزب “جنتس” الانفصالي، على خلفية فشل مشروع قانون تقليص ساعات العمل الذي رعتها القيادية اليسارية. وتحوّل الخلاف إلى مواجهة علنية، اتسمت بالاتهامات المتبادلة ووصف صريح بأسلوب “المساومة السياسية”، ما كشف هشاشة التوازنات الداخلية للحكومة الإسبانية وعمق الانقسام بين مدريد وبرشلونة.
تسببت دياز، القيادية في حركة “سومار”، في صدمة سياسية داخل أروقة الحكومة، خصوصاً لشركائها الصغار الذين يعتمدون على أصوات “جنتس” السبعة في البرلمان لضمان استقرار الائتلاف. فقد رفض الحزب الانفصالي القانون، متذرعاً بحماية مصالح الشركات الصغيرة والمتوسطة في كاتالونيا، بينما اتهمته دياز باستخدام أسلوب “الابتزاز السياسي” وفرض مطالب تتجاوز نطاق المشروع، ما أثار موجة استياء واسعة في الأوساط السياسية.
ووصف مسؤولون حكوميون موقف دياز بأنه “ورقة رابحة” لإظهار غضبها ومهاجمة الحزب بطريقة لم يسبق أن ظهرت من قبل أي عضو في الحكومة داخل البرلمان. ففي إذاعة “أوندا سيرو”، اتهمت دياز “جنتس” بمحاولة ممارسة الابتزاز، في حين اعتبرت المتحدثة باسم الحزب، مريم نوغيراس، أن كل ما قيل “غير صحيح”، وأن دياز تعاني من “مشكلة في الأنا”.
خلال جلسات البرلمان، وجّهت دياز رسالة حاسمة إلى نوغيراس: “في هذه المعركة، تمثلون رأس المال، ونحن والحكومة نمثل العمال في كاتالونيا وإسبانيا. أنتم تقفون إلى جانب من يربحون اليوم على حساب الناس”.
وأكدت مصادر حكومية أن “جنتس” غاضبون من حدة دياز، لكن الحكومة ترى أن السياسة أحياناً تتطلب هذه الصراحة، وأن الموقف لن يعرقل مفاوضات الموازنة، رغم تأثيره على ديناميات البرلمان.
تركزت الخلافات على تطبيق القانون على الشركات الصغيرة، حيث تمسك “جنتس” بعدم إلزاميتها، بينما حاولت دياز التوفيق عبر تقديم حوافز مالية لتسهيل التطبيق، مع ضمان شمول جميع القطاعات. ويعكس هذا التحدي الصراع الدائم بين الإصلاحات الاجتماعية وحماية الاقتصاد المحلي، وهو معضلة تواجه الحكومات الأوروبية عموماً تحت ضغط الأحزاب الصغيرة والمصالح الإقليمية.
يرى محللون سياسيون أن الأزمة لم تهدد استقرار الحكومة أو الانتخابات المقبلة بشكل مباشر، لكن لهجة دياز العدائية تجاه “جنتس” كانت غير مسبوقة. تأتي هذه المواجهة أيضاً في سياق ملفات عالقة بين مدريد وبرشلونة، من بينها عودة الرئيس الكاتالوني السابق وموضوع الرسمية الكاتالونية في أوروبا، ما يعقد مرونة “جنتس” في التوصل إلى اتفاقات ويكشف تأثير القضايا الكبرى على صغائر التشريعات اليومية.
وفي كلمة حاسمة، شددت دياز على حدودها السياسية: “لدي حدود، ولن أتنازل عن بلدي”، مؤكدة أن رفض “جنتس” للشروط كان السبب الرئيس لفشل المفاوضات، وأن أي مطالب إضافية قد تشوه طبيعة المشروع وتضع أحزاب اليسار أمام مواجهة مباشرة، بما يهدد التوازن البرلماني واستقرار الحكومة.
رغم هزيمة دياز في التصويت على مشروع تقليص ساعات العمل، يرى المسؤولون في مونكلوا أن الموقف يشكل فرصة لاستغلال الضغط الشعبي والسياسي ضد حزب الشعب الإسباني (PP). وتخطط الحكومة لتقديم مشاريع قوانين أخرى حتى لو كانت ستُرفض، بهدف “فضح” مواقف الشركاء الانفصاليين، وفق استراتيجية أطلقها الرئيس بيدرو سانشيز قبل بدء العام السياسي الجديد، مؤكداً أن بعض الهزائم البرلمانية تُعد “رايات سياسية” تفتح نقاشات مجتمعية مهمة.
12/09/2025