kawalisrif@hotmail.com

من الدفاع إلى الردع … كيف ترسم الغواصات خريطة النفوذ المغربي في البحار ؟ “

من الدفاع إلى الردع … كيف ترسم الغواصات خريطة النفوذ المغربي في البحار ؟ “

في خضم التغيرات الجيوسياسية المتسارعة التي يشهدها البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، تبرز نوايا المملكة المغربية لاقتناء غواصات «سكوربين» الفرنسية كأكثر من مجرد صفقة تسلح عابرة؛ إنها خطوة تحمل أبعاداً استراتيجية عميقة ورهانات تتجاوز حدود البحر إلى مسارات السياسة والاقتصاد والأمن القومي.

بحسب معطيات إعلامية، يفكّر المغرب في التعاقد على غواصتين إلى ثلاث من طراز «سكوربين» بتكلفة تقارب مليار دولار للواحدة، مع إمكانية نقل التكنولوجيا وتطوير شراكات صناعية.

هذا القرار يأتي لتغطية ثغرة في قدرات البحرية الملكية التي تراقب أزيد من 3,500 كيلومتر من السواحل الممتدة بين المتوسط والأطلسي.

مصادر عسكرية وصفت المشروع بأنه «ضروري ومستعجل»، معتبرة أن أي قوة بحرية في المنطقة لا يمكنها ادعاء السيادة الكاملة دون امتلاك سلاح الغواصات، الذي يمثل «العين الخفية» و«الذراع الرادعة» في الحروب البحرية الحديثة.

المقارنة الإقليمية تكشف أن إسبانيا لا تتوفر سوى على غواصة قديمة من طراز «أغوستا»، بينما تمتلك الجزائر ست غواصات من فئة «كيلو» تعود لأجيال سابقة. في المقابل، يُعتبر طراز «سكوربين» أحد أبرز المنتجات الفرنسية الحديثة، إذ يتميز بقدرات تخفٍ عالية، منظومات تسليح هجومية متطورة، وأجهزة رصد واتصال متقدمة تحت الماء. امتلاك المغرب لهذا الطراز لن يكون مجرد إضافة تقنية، بل نقلة نوعية قد تضعه في موقع تفوق تكتيكي على المدى المتوسط، وتغير معادلة الردع البحري في المنطقة.

ورغم التكلفة الباهظة، يرى محللون أن المسألة لا تُقاس بمنطق الشراء وحده، بل تُدرج في إطار استثمار طويل الأمد في الأمن القومي والاقتصاد البحري. فالغواصات ليست فقط سلاحاً للحرب، بل وسيلة لحماية الثروات البحرية، ضمان سلامة طرق الملاحة التجارية، والتصدي لأي تهديد محتمل للمجالات البحرية الغنية بالموارد الطاقية. كما أن إدراج بند نقل التكنولوجيا قد يفتح الباب أمام المغرب لتطوير صناعات دفاعية محلية، بما يخلق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني.

غير أن الطريق إلى بناء أسطول غواصات حديث ليس سهلاً؛ فالأمر يتطلب بنية تحتية متخصصة في الموانئ، وكوادر بشرية مدرَّبة، وأنظمة صيانة ودعم تقني متواصل، إضافة إلى التزامات مالية طويلة الأمد. كما أن إبرام مثل هذه الصفقات يخضع لإطار قانوني وسياسي دقيق، سواء من حيث تراخيص التصدير أو شروط الشراكات الصناعية.

توقيع هذه الصفقة المحتملة سيحمل أبعاداً تتجاوز المجال العسكري. فتعزيز التعاون مع باريس في هذا الملف قد يشكل محطة جديدة في العلاقات الثنائية، لكنه أيضاً قد يُثير أسئلة حول موازين الشراكات مع قوى أوروبية أخرى، ويبعث برسائل واضحة إلى الجوار الإقليمي بأن المغرب يعيد رسم حدوده البحرية بقدرات جديدة أكثر حساسية وتأثيراً.

في الداخل، ترتفع أصوات تطالب بوضوح أكبر في مثل هذه الملفات، بالنظر إلى ضخامتها المالية وتقاطعاتها مع أولويات اجتماعية واقتصادية ملحّة. فالكشف عن تفاصيل الاتفاق، آجال التسليم، وآليات نقل التكنولوجيا قد يعزز ثقة الرأي العام، ويؤكد أن الاستثمار في الأمن لا يتعارض مع المطالب التنموية.

سواء تمضي المملكة قدماً في صفقة «سكوربين» أم تتريث، فإن النقاش الدائر يكشف عن تحوّل عميق في التفكير الاستراتيجي المغربي: الانتقال من منطق الدفاع التقليدي إلى منطق الردع البحري الحديث. إنها خطوة قد تعيد تشكيل موازين القوة في غرب المتوسط، وترسم ملامح سياسة بحرية جديدة، يكون فيها المغرب فاعلاً لا متفرجاً في لعبة النفوذ فوق الماء وتحته.

16/09/2025

Related Posts