سعيد البوزيدي :
يتواصل سقوط الأقنعة عن “الصرح الصحي الجديد” بالناظور، مصحة أكديطال، التي تحولت سريعاً من حلم بإنقاذ الأرواح إلى كابوس يفضح فشلاً ذريعاً يعرفه القاصي والداني. تغييرات متكررة، ارتباك إداري، تخبط مهني… وحدها الفواتير والتسعيرات تظل ثابتة، بل وتتضاعف بشكل يثير السخرية والدهشة.
آخر فصول العبث: مريض خضع لفحص قيمته 6000 درهم، قبل أن تطالبه الإدارة بـــ 13 ألف درهم كاملة، في ممارسة تجسد جشعاً بلا سقف. لكن ما خفي كان أعظم؛ فالأمر لم يعد يقتصر على الاستنزاف المالي للمواطنين، بل تجاوز إلى شبهات الاتجار في البشر تحت غطاء سيارات الإسعاف والوسطاء وبعض الأطباء.
تتقاضى سيارات الإسعاف –وفق شهادات متطابقة– ما يصل إلى 6000 درهم مقابل “تحويل” وجهة المريض نحو المصحة، بينما تُوزع “التحفيزات” على السماسرة والأطباء بحسب طبيعة التدخلات ومدد الإقامة الاستشفائية. لعبة قذرة تضرب عرض الحائط قسم أبقراط، وتفرغ المهنة من شرفها.
وفي قلب هذا المستنقع، يبرز اسم المدير المحلي للمصحة، أنس بنمخلوف، القادم من هوامش الرباط، والذي يُلقب بين الأوساط بـ “البيغ بوس”، باعتباره العرّاب الذي يدير ماكينة مالية شرهة، لا تعرف من الرحمة سوى الاسم، ولا من الإنسانية سوى القشور.
هكذا، تتحول سيارة الإسعاف من ناقلة للنجدة إلى ناقلة نحو الغنيمة، وتُستبدل الوزرة البيضاء بسكاكين وأنياب تنهش جيوب المرافقين وقلوب المرضى… لتبقى أكديطال الناظور عنواناً صارخاً لانهيار الأخلاق قبل انهيار الخدمات.
إنها أساليب ماكرة تُسوّق تحت لافتة “الخدمات الصحية”، بينما هي في الجوهر تنامٍ خطير للاتجار بالبشر بزيّ أبيض وأقنعة براقة. وإذا كان القسم الطبي قد بدأ بـ “أبقراط”، فإن بعضهم في الناظور قرأه على طريقة “أب قراط”: الأب الذي يقترض من جيوب المرافقين والمرضى بلا حياء.
إننا أمام ورم سرطاني لا دواء له إلا تحقيق جدي وشامل يضع حداً لهذه الممارسات التي تتغوّل بالشرق، خصوصاً في الناظور، قبل أن يتحول “الصرح الصحي الجديد” إلى مجرد مجزرة مالية تُنحر فيها كرامة المواطن على يد سماسرة يبرعون في تحويل الألم إلى فواتير، والدموع إلى أرباح.
19/09/2025