تُقدَّم مدينة الحسيمة على أنها جوهرة الشمال وساحة مفتوحة لمشاريع التهيئة والتجميل، غير أن سكانها يعيشون يوميًا تفاصيل معاناة قاسية تختزلها أبسط ضروريات الحياة : ماء ينقطع في عزّ الحاجة، كهرباء تتوقف دون سابق إنذار، واتصالات هزيلة لا تواكب الحد الأدنى من المتطلبات.
في صيف قائظ، حيث ترتفع درجات الحرارة بشكل خانق، يجد المواطن نفسه محاصرًا داخل بيته بلا ماء يروي عطشه ولا كهرباء تُلطّف الأجواء. انقطاعات متكررة، مفاجئة وأحيانًا طويلة، دون أي توضيح من الجهات المسؤولة، وكأن الأمر عادي في مدينة يُفترض أن تكون نموذجًا للتنمية.
أما الماء، فقد تحول إلى معضلة يومية، إذ تضطر الأسر إلى تخزينه في ظروف غير صحية، ما يهدد بظهور مشاكل خطيرة. ومع ذلك، يظل الصمت سيد الموقف: لا بلاغات رسمية، ولا تواصل يشرح أو يطمئن المواطنين.
ولم تقف الأزمة عند هذا الحد، بل امتدت إلى قطاع الاتصالات أيضًا. شبكة ضعيفة، إنترنت متقطع، ومعاناة متشابهة مع جميع الشركات المشغلة، من “اتصالات المغرب” إلى “إنوي” و“أورنج”. فواتير مرتفعة تُدفع مقابل خدمة رديئة لا ترقى إلى تطلعات الطلبة والمهنيين والتجار الذين تعطلت مصالحهم بسبب ضعف الصبيب وانعدام التغطية في أحياء بأكملها.
الحسيمة اليوم تعيش مفارقة صارخة : مشاريع تجميلية، أرصفة مرصوفة، ونافورات مضيئة من جهة، ومن جهة أخرى مواطنون يُحاصرهم الحرمان من أبسط الحقوق. فأين الجهات المسؤولة ؟ وأين الشركات المفوَّضة؟ وأين دور وزارة الداخلية التي تؤكد في خطابها الرسمي اهتمامها بالمجال الترابي والعدالة المجالية ؟
ما يعيشه المواطن الحسيمي ليس مجرد أعطاب تقنية عابرة، بل صورة واضحة لفشل في التنمية وغياب المحاسبة، حيث تُعطى الأولوية لتزيين الواجهة بدل ضمان كرامة الإنسان.
المواطن في الحسيمة لا يحتاج إلى المزيد من الصور الترويجية أو الساحات المزيّنة، بل يطالب فقط بماء صالح للشرب، كهرباء مستقرة، وخدمات اتصالات تحترم العصر. مطالب بسيطة يضمنها الدستور، لكنها ما تزال معلقة بين الوعود والواقع.
21/09/2025