kawalisrif@hotmail.com

مراكز اجتماعية بالحسيمة.. فضاءات الهشاشة تتحول إلى “ماكينات ربحية” في غياب المحاسبة

مراكز اجتماعية بالحسيمة.. فضاءات الهشاشة تتحول إلى “ماكينات ربحية” في غياب المحاسبة

حسن غربي – الحسيمة

في وقتٍ تنفق فيه الدولة ملايين الدراهم لتوسيع شبكات الحماية الاجتماعية، وتوفير فضاءات مؤهلة لخدمة النساء والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، تعيش مدينة الحسيمة مفارقة صادمة: بعض المراكز الاجتماعية التي شُيدت بأموال عمومية، تحولت إلى مشاريع تجارية مغلّفة بالشعارات الإنسانية.

فبدل أن تكون هذه المراكز رافعة للتكافل، غدت في بعض الأحياء “مقاولات خفية”، تدر أرباحاً غير معلنة على مسيّريها، بينما المستفيدون الفعليون يجدون الأبواب موصدة أمامهم، وكأنهم غرباء عن مرافق أنشئت أصلاً لأجلهم.

الأدهى من ذلك أن عدداً من هذه المراكز تُستغل بعيداً عن أعين المراقبة كقاعات للأفراح والحفلات، تكترى بمبالغ مرتفعة، دون أن ينعكس ذلك على جودة الخدمات أو تطوير البرامج الاجتماعية. أما الأنشطة التي كان يُفترض أن تكون مجانية – من دعم مدرسي، وتمارين رياضية، وورش تكوينية – فقد صارت تؤدى مقابل رسوم مفروضة، بل إن أسر أطفال من ذوي الإعاقة تجبر على دفع مبالغ شهرية للاستفادة من أبسط الخدمات، تحت طائلة الحرمان والإقصاء غير المعلن.

ورغم أن هذه الجمعيات تستفيد سنوياً من دعم مالي مباشر، وتجهيزات، وإعفاءات في فواتير الماء والكهرباء، فإن غياب الرقابة والمحاسبة يجعلها خارج أي مساءلة. لا لجان تفتيش، ولا تقارير شفافة، ولا أثر لمعايير واضحة في اختيار الجمعيات المسيرة، ما يفتح الباب أمام منطق الولاءات والعلاقات بدل النجاعة والالتزام.

في هذا المشهد، تبقى الجمعيات الجادة – التي تعمل بتفانٍ لخدمة الفئات الهشة – مهمشة ومقصاة من الاستفادة من هذه الفضاءات، وهو ما يطرح سؤال العدالة في توزيع الفرص والموارد.

اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، بات ضرورياً فتح هذا الملف على مصراعيه، والكشف عن الاختلالات التي حولت مؤسسات الدولة إلى مشاريع ربحية، بعيداً عن رسالتها النبيلة. فالخطاب الملكي واضح في ربط المسؤولية بالمحاسبة، وأي صمت من السلطات المختصة لم يعد مقبولاً.

فلا معنى لمراكز اجتماعية تُبنى بمال الدولة لتُدار بعقلية السوق، وتغلق في وجه من خلقت لخدمتهم. إنها قضية تمس جوهر العدالة الاجتماعية، وتستدعي تدخلاً عاجلاً يعيد لهذه الفضاءات روحها الأصلية: خدمة المواطن أولاً وأخيراً.

23/09/2025

Related Posts