kawalisrif@hotmail.com

من طنجة إلى قفص الاتهام بإسبانيا… محاكمة القرن لمأساة “روا مار” الغارقة بين الصيد وتهريب المخدرات

من طنجة إلى قفص الاتهام بإسبانيا… محاكمة القرن لمأساة “روا مار” الغارقة بين الصيد وتهريب المخدرات

انطلقت أمس أولى جلسات محاكمة غير مسبوقة بمقر محكمة قادش، حيث يقف بيدرو صامويل مازا رويث، مالك مركب الصيد الغارق روا مار، رفقة خمسة متهمين آخرين أمام القضاء الإسباني، في ملف يختلط فيه الملح بالدم، ويجمع بين تراجيديا إنسانية ونهاية دامية لرحلة صيد تحوّلت إلى عملية تهريب دولية للمخدرات، انتهت بابتلاع البحر ستة بحارة لم يعودوا أبداً إلى ديارهم.

النيابة العامة تطالب بعقوبات ثقيلة تصل إلى 114 سنة سجناً في حق مازا، بتهم القتل غير العمد، تهريب المخدرات، الانتماء إلى منظمة إجرامية، غسل الأموال، الاحتيال، فضلاً عن غرامات بملايين اليوروهات وتعويضات باهظة لأسر الضحايا. وتشير التحقيقات إلى أن المركب كان يحمل ما يقارب طنينًا من الحشيش انطلقت شحنتها من طنجة، في رحلة خطرة فاقت قدرة السفينة المتهالكة، ما أدى إلى انقلابها على بعد 28 ميلاً من رأس سبارطيل قبالة السواحل المغربية، في مأساة بحرية لم تشهد المنطقة مثيلاً لها منذ عقود.

أحد أبرز المتهمين، خيسوس هيريديا المعروف بـ”إل بانتوخا”، أحد أكبر رؤوس تهريب المخدرات في منطقة مضيق جبل طارق والمعروف بلقب “ميسي الحشيش”، لم يمثل أمام المحكمة وأُعلن متمردًا بعد صدور أمر بالقبض والبحث بحقه منذ 21 مارس لعدم عودته إلى سجن كاستيلون بعد إجازة سابقة، ما أضفى على القضية بعدًا أكثر قتامة وغموضًا، وكشف عن عمق شبكة المافيات التي كانت وراء العملية.

المحكمة قبلت تسجيلات صوتية وسبع مكالمات هاتفية من هواتف المالك، إضافة إلى تسجيلات سرية التُقطت بواسطة جهاز مخفي داخل سيارة، حاول دفاع المتهمين إبطالها. هذه الأدلة، المكلفة بها المحكمة الوطنية في تحقيق سابق، بقيت جزءًا من القضية، رغم التحفظات القانونية، فيما أكدت رئيسة المحكمة، نييفيس مارينا، أن إمكانية حذفها لاحقًا تبقى قائمة بعد سماع الشهود. محامو الدفاع أكدوا أنه لا توجد في هذه التسجيلات أدلة إدانة مباشرة، مشيرين إلى أن تحقيق المحكمة المركزية رقم 6 لم يوضح صلة مباشرة بين مازا رويث والمتهمين الآخرين وأنشطتهم في تهريب المخدرات، لكن هذا لم يمنع القضية من تحريك الرأي العام وإثارة الصدمة.

عائلات البحارة الغرقى، التي حضرت بكثافة إلى المحكمة، رفعت أصواتها بصرخة واحدة: “ليدفعوا ثمن ما اقترفوه”. مشهد النساء المتشحات بالسواد، وأطفال يلوذون بأحضان أمهاتهم المكلومات، حول القاعة إلى مسرح للوجع، حيث امتزج البكاء بهتاف العدالة، في مشهد مأساوي صعب على القلب، كأن البحر نفسه يبكي الضحايا.

بعد سرد قائمة الضحايا وتعويضاتهم، طالبت المدعية لمكافحة المخدرات في مضيق جبل طارق، ماكارينا أرّويو، بإضافة شهود من الشرطة الوطنية والحرس المدني الذين شاركوا في عمليات سابقة شملت سفن مازا رويث قبل الغرق. فقد تم توقيف المالك في يونيو 2020 ضمن عملية ماتراكا، المتعلقة بشبكة تهريب الحشيش باستخدام عدة سفن صيد، مع مصادرة 1,180 كيلوغرامًا من الحشيش في سفينة فيليبي ماروجا. وبعد الإفراج المؤقت، تم توقيفه مجددًا عام 2023 لمسؤوليته عن 2.4 طن من المخدرات عُثر عليها في أركانجيل سان رافائيل.

محاكمة روا مار ليست مجرد جلسة قانونية، بل لحظة فاصلة في مواجهة أباطرة البحر الذين حولوا الصيد من مصدر رزق إلى مسرح للجريمة العابرة للحدود. دموع الأرامل تتصادم مع برودة محاضر التحقيق، وصخب البحر يلتقي بصدى مطارق العدالة. لكن السؤال يبقى معلّقًا بين جدران المحكمة والموج: هل كان غرق روا مار مجرد حادث بحري مأساوي، أم جريمة مدبرة ارتُكبت على صفيح الماء حين تحول المركب من أداة صيد إلى تابوت عائم؟

23/09/2025

Related Posts