بعد عقود من الفوضى والتكدس في قلب المدينة، تستعد الناظور لإغلاق صفحة محطاتها الطرقية القديمة، معلنةً عن افتتاح المحطة العصرية الجديدة عند مدخل المدينة على الطريق الوطنية رقم 19. القرار الجماعي رقم 140 الصادر بتاريخ 17 شتنبر 2025 لم يكن مجرد ورقة إدارية، بل خطوة فاصلة لإعادة رسم مشهد النقل العمومي، وإسقاط عشوائية طالما شوهت وجه المدينة.
المحطة الطرقية الجديدة لم تهبط فجأة من السماء، بل خرجت من رحم مسار معقد تخللته عراقيل عقارية وإدارية. الأرض التي تحتضنها اليوم كانت ملكاً للقوات المسلحة الملكية، وظل الملف لسنوات مجرد عقدة مستعصية. غير أن تدخلات العامل السابق، الوالي الحالي للداخلة، مكنت من كسر الجليد، وتحويل حلم مؤجل إلى واقع ملموس. بهذا، لم يعد المشروع مجرد قرار إداري، بل عنواناً لمعركة طويلة مع البيروقراطية والتوازنات المحلية.
بمقتضى القانون التنظيمي للجماعات (الظهير الشريف رقم 1.15.85) وقرار وزير النقل واللوجستيك رقم 1514.25 بتاريخ 5 يونيو 2025، بات على أرباب النقل العمومي التوقف حصراً بالمحطة الجديدة. القرار الجماعي حدد 9 أكتوبر 2025 موعداً لانطلاق العمل، منهياً وجود المحطتين القديمتين بوسط المدينة، ومشدداً على منع التوقفات العشوائية أو بيع التذاكر خارج الشبابيك الرسمية. كما أسند التنفيذ للمصالح الجماعية والأمنية واللاممركزة، في خطوة تعتبر بمثابة إعلان حالة طوارئ تنظيمية.
المحطة الجديدة ليست جدراناً زجاجية ولا مقاعد معدنية فاخرة فقط، بل اختبار لإرادة السلطات في فرض النظام على قطاع ظل طويلاً رهينة “قوانين السوق السوداء”. فإما أن تتحول إلى رافعة حضرية تعيد الانسيابية لشوارع الناظور، أو تسقط في فخ “الزينة الخارجية”، لتظل مجرد صورة على صفحات الجرائد ومنشورات المسؤولين.
هكذا، تفتح الناظور محطة طرقية عصرية في مدخلها، وتغلق معها فصلاً من عشوائية النقل الحضري. لكن الحقيقة أن المعركة لم تبدأ بعد: فنجاح التجربة لن يقاس بعدد الكاميرات في حفل الافتتاح، بل بقدرة القرار العاملي المنتظر على تنظيم تسعيرة سيارات الأجرة من الصنف الثاني، وضبط جشع بعض السائقين الذين يحولون رحلة بسيطة إلى نزيف مالي للمستهلك. فالمحطة قد تكون عصرية، لكن بدون ضبط الأسعار وتحديدها بقرارات حازمة، سيبقى المواطن هو الخاسر الأكبر، وكأننا نغير الواجهة فقط ونترك جيوب الناس نهباً للفوضى القديمة بثوب جديد.
24/09/2025











