وُلدت مصحة “أكديتال” وسط ضجيج دعائي مُبالغ فيه: صرح طبي من الطراز الرفيع، تجهيزات عصرية، ولوجيستيك يُباهي كبريات المؤسسات الاستشفائية بالمملكة. لوحة إشهارية مثالية صيغت لتُسوَّق كمعجزة صحية ستنتشل إقليم الناظور من أزماته. لكن ما كاد الغبار ينجلي حتى انكشف الوجه الحقيقي: مشروع مهتز، فاقد للبوصلة، يُراكم الفشل بدل أن يمنح الأمل.
الحقيقة الصادمة أن المصحة التي تغنّت بالحداثة فارغة من أساسها : الكفاءات الطبية منعدمة. أجهزة متطورة بلا عقول تُديرها، وأسِرّة مجهزة بلا أطباء يرعاها. ارتجال إداري يُحوّل المرضى إلى ضحايا تجارب، وأخطاء قاتلة تُسجَّل في صمت، لتفضح شعار “الإضافة النوعية” الذي انقلب إلى وصمة عار.
حتى الأطباء المحليون والكفاءات الجهوية، الذين كان يُفترض أن يشكلوا العمود الفقري للمشروع، انسحبوا بصمت بعدما اصطدموا بتسيير عقيم يُدار بعقلية استعراضية لا مهنية. إدارة تلهث خلف نفخ الفواتير وحلب المرضى، تُطيل مدد الاستشفاء عمداً، وتترك الجوهر – أي حياة المرضى – رهينة الإقامة الجبرية وسط ابتسامات مصطنعة وترنّح الممرضات.
أما الطاقم الطبي فخليط هجين من أطباء جاؤوا من تونس ودول عربية أخرى ، إلى جانب خريجي مدارس أوكرانية بلا رصيد مهني حقيقي. كفاءات شبه منعدمة تُمارَس على أجساد المرضى، فيما يُجبر هؤلاء على تقديم شيكات ضمانة غير قانونية أو تسبيقات مالية مقابل “خدمة خمس نجوم” لا وجود لها إلا في الواجهة الزجاجية والإعلانات المضللة.
والنتيجة؟ ثقة المواطنين تبخرت. الصرح الذي بُني من حديد وزجاج صار خاوي الروح، وتحولت “أكديتال” بالناظور إلى عنوان للعبث الصحي: مكان يُزرع فيه الخوف بدل الاطمئنان، وتُرتكب فيه الأخطاء على حساب أجساد البسطاء الذين ابتلعوا الطُعم وانخدعوا بالبريق الزائف.
في المحصلة، مصحة “أكديتال” ليست سوى مرآة مشروخة لواقع صحي مأزوم: بريق كاذب يخفي خراباً خطيراً. وإذا لم يتحرك المسؤولون لفضح هذا الاستهتار ومحاسبة القائمين عليه، فإن أرواح المواطنين ستظل وقوداً يُغذّي ماكينة الفشل المطلية بطلاء فاخر.
حين تعقد الإدارة اجتماعات لاستجداء سائقي سيارات الإسعاف واستمالة فعاليات جمعوية بالوعود والمقابل لجلب “الضحايا”، فذلك هو الفشل الذريع بعينه. مدير مغرور بنفسه، حلم أن يلعب أدوار البطولة الطلائعية، فإذا به اليوم يتخبط ككومبارس بائس، يبحث بأي ثمن عن وسيلة للانفلات والبقاء… ولو كان الثمن حياة الناس.
سعيد البوزيدي :
25/09/2025