منذ أيام ، تحولت مدينة الناظور وضواحيها إلى ساحة مواجهة مفتوحة بين الأجهزة الأمنية وشبكات إجرامية مترسخة. فقد شهدت المنطقة واحدة من أوسع الحملات الأمنية منذ سنوات، شارك فيها أكثر من 200 عنصر أمني من مختلف التلاوين، في مشهد يؤكد أن الدولة جادة في إعادة الانضباط إلى فضاء طالما كان تحت مجهر المافيا.
الحملة لم تقتصر على نصب السدود وتفحص بطائق الهوية، بل امتدت لتشمل تفتيشاً دقيقاً لحافلات النقل الحضري وبين المدن، وسيارات الأجرة، إضافة إلى مراقبة صارمة لسائقي توصيل الطرود عبر الدراجات النارية، وهي حلقة طالما استُغلت من قبل المجرمين لتمرير المواد المحظورة. كما شملت الاقتحامات الليلية مدن الناظور والعروي وزايو وأزغنغان وبني أنصار، وأسفرت عن توقيف أكثر من خمسين مشتبهاً في ظرف وجيز، وهو إنجاز أمني يثبت أن قبضة الدولة تشتد يوماً بعد آخر ، وتم ليلة أمس كذلك إقتحام منزل مالك مقهى “كوكل” بالناظور ، ولم يتم العثور عليه .
ولم يكن اختيار مواقع الانتشار عشوائياً، إذ تحولت محطة الطاكسيات بشارع طنجة إلى ما يشبه ملحقة أمنية مؤقتة، ركنت فيها عشرات سيارات الشرطة قبل انطلاق التدخلات الميدانية، ومنها جرى تحديد الأهداف وتنويع مواقع التحرك، في تكتيك أمني أعطى انطباعاً بأن المدينة كلها باتت تحت المجهر.
هذه التعبئة غير المسبوقة، التي ربطها مراقبون بما عُرف بـ”العرس الأسطوري” للبرنس موسى فولكو، كانت بمثابة رسالة صريحة للمافيا: لا وجود لحصانة أمام القانون، والحرب ضد أباطرة “السموم البيضاء” ماضية بلا هوادة.
يؤكد العديد من النشطاء أن منابع السموم باتت محاصَرة بشكل كبير. ومع ذلك، لا يزال بعض مروجي المخدرات الصلبة يبتكرون أساليب تخفٍ جديدة، خصوصاً على محور جعدار الناظور، وضواحي بني أنصار والعروي ، بل وحتى سلوان … حيث تتغير السيارات ووسائل النقل باستمرار، في محاولة لإرباك أعين الأمن. لكن الأجهزة الأمنية، بخبرتها وتجهيزاتها، تبدو أكثر استعداداً لتفكيك هذه الشبكات التي تتغذى على اقتصاد الظل والفوضى.
الناظور اليوم ليست فقط مسرحاً لحرب ضد مروجي المخدرات، بل أيضاً بوابة لملفات أخطر ترتبط بالتهريب الدولي للبشر والحشيش عبر سواحلها الوعرة. هناك، في عمق البحر، تُدار صفقات عابرة للحدود، يتقاطع فيها المال القذر مع أحلام المهاجرين اليائسين، في رحلة تنتهي غالباً بالموت أو بالاعتقال.
الخطر إذن لم يُستأصل بعد. وما يجري ليس سوى جولة في معركة طويلة تتجاوز حدود الناظور لتضرب في عمق المتوسط. لكن المؤكد أن هذه الحرب لن تتوقف، وأن ساعة الحقيقة تقترب، حين تسقط آخر أوراق المافيا التي جعلت من البحر ممراً للهلاك، ومن القنب الهندي وقوداً لاقتصاد الجريمة.
25/09/2025











