kawalisrif@hotmail.com

المغرب في مواجهة الجريمة … بين صرامة الأمن ورهانات التحول الاجتماعي

المغرب في مواجهة الجريمة … بين صرامة الأمن ورهانات التحول الاجتماعي

لم تعد الجريمة في المغرب مجرّد أحداث متفرقة تحتل خانة “الحوادث”، بل أضحت مرآة لاهتزازات اجتماعية عميقة، وناقوساً يقرع في وجه الدولة والمجتمع معاً، لطرح أسئلة تتجاوز حدود الظاهرة الأمنية إلى جوهر التحولات التي يعيشها النسيج الاجتماعي المغربي.

ففي الأسابيع الأخيرة، عاشت بعض المدن موجة غير مسبوقة من الاعتداءات والجرائم، ما أعاد إلى الواجهة النقاش حول حدود المقاربة الأمنية في التصدي لها، وحول طبيعة البنية الاجتماعية التي تُفرز أنماطاً جديدة من السلوك الإجرامي. فإذا كانت الأجهزة الأمنية –من شرطة ودرك– لا تدّخر جهداً في تكثيف حضورها الميداني وتفكيك الشبكات المنظمة، فإن معطيات الواقع تكشف انتقال الجريمة من أشكالها الكلاسيكية، كالسرقات والاعتداءات بالسلاح الأبيض، إلى أنماط أكثر تركيباً وتعقيداً، تمتد من شبكات الاتجار في المخدرات إلى التهريب البشري والجرائم السيبرانية العابرة للحدود.

وتجمع قراءات اجتماعية متقاطعة على أنّ الجريمة ليست نتاج انحراف فردي فحسب، بل انعكاس لمعادلات أعمق ترتبط بالهشاشة الاقتصادية والاجتماعية. فالأحياء الهامشية التي تغرق في البطالة وضعف البنية التحتية وغياب أفق الإدماج، تتحول إلى فضاءات خصبة للاستقطاب نحو الجريمة، حيث تُغري شبكات الاتجار في المخدرات وعصابات السرقة المنظمة شباباً محبطين يفتقدون إلى بدائل واقعية للحياة الكريمة.

ورغم النجاحات الأمنية الملموسة في تفكيك عصابات خطيرة وضبط شحنات ضخمة من المخدرات والأقراص المهلوسة، يبقى السؤال الجوهري مطروحاً: هل يمكن مقاربة الجريمة باعتبارها مجرد ملف أمني؟ أم أننا أمام ظاهرة مجتمعية مركبة، تتطلب معالجة شمولية تتجاوز منطق الزجر إلى استراتيجيات وقائية تعالج الأسباب العميقة؟

من هنا تبرز الحاجة إلى ما يسميه خبراء “المثلث الحاسم”: الأمن، التنمية، والتربية. إذ لا يكفي تشديد الردع وتكثيف الدوريات الأمنية، ما لم يُرفق ذلك بسياسات قادرة على إدماج الشباب في سوق الشغل، وفتح آفاق جديدة عبر الرياضة والثقافة، وتحقيق مدرسة دامجة تحصّن الناشئة من الهدر والانقطاع المبكر. فالأمن، مهما بلغت صرامته، يظلّ تدبيراً آنياً إذا لم يتكئ على قاعدة اجتماعية متينة.

إنّ الجريمة، في عمقها، تعبير عن صراعات صامتة داخل المجتمع المغربي، وعن هشاشة منظومات لم تنجح بعد في احتواء الأسئلة الجديدة التي يطرحها الشباب. وبين من يدعو إلى مزيد من الصرامة في إنفاذ القانون، ومن يطالب بمعالجة جذرية للأسباب البنيوية، يظلّ التحدي قائماً: هل نحن أمام موجة عابرة من الانفلات يمكن احتواؤها، أم أمام مؤشر بنيوي يستدعي مراجعة النموذج التنموي برمّته؟

ومهما يكن، يبقى المغرب نموذجاً متفرداً في المنطقة العربية والإفريقية، بقدرته على الجمع بين صرامة المقاربة الأمنية وانفتاح السياسات التنموية. فهو بلد استطاع أن يتعامل مع الحراك الاجتماعي بذكاء سياسي، وبإصلاحات متدرجة تراهن على استقرار المجتمع وتعزيز قيم التضامن. هذا التوازن بين الردع والإصلاح، بين القبضة الأمنية وسياسات الإدماج، يمنح التجربة المغربية خصوصيتها، ويجعلها مرجعاً في كيفية إدارة التحديات الاجتماعية الكبرى دون التفريط في الأمن ولا في الأفق الديمقراطي.

03/10/2025

Related Posts