تشهد عدد من المدن المغربية منذ ثمانية أيام متتالية موجة من الاحتجاجات السلمية التي تعبر عن حالة احتقان اجتماعي متنامية في صفوف فئات واسعة من الشباب ، في ظل تراجع الخدمات الأساسية وتدهور مؤشرات المعيشة والصحة والتعليم .
ورغم اتساع رقعة هذه الاحتجاجات، فإن وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية بمختلف تشكيلاتها اختارت التعامل معها بقدر كبير من الذكاء والهدوء، في خطوة لافتة تعكس إدراك الدولة لحساسية المرحلة وحرصها على حماية الحق في التظاهر السلمي ضمن حدود القانون.
تُظهر مشاهد من الميدان أن المقاربة الأمنية اتسمت هذه المرة بنوع من التوازن؛ إذ تم السماح للمتظاهرين بالتعبير عن مطالبهم، في مقابل اتخاذ إجراءات ميدانية دقيقة لضمان عدم انزلاق المسيرات إلى الفوضى أو العنف.
مصادر ميدانية تؤكد أن الأجهزة الأمنية تتدخل فقط عند الضرورة، خصوصاً في الحالات التي يُحتمل أن تشهد أعمال تخريب أو اعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، وهو ما ساهم في الحفاظ على سلمية التحركات وتفادي التصعيد أو إنفلاتات .
لكن المثير في المشهد ( وفق مراقبون ) أن جوهر الأزمة سياسي واجتماعي بالأساس، لا أمني.
فأسباب الاحتقان، وفق تحليلات متطابقة، تعود إلى فشل الحكومة الحالية برئاسة عزيز أخنوش في معالجة الملفات الاجتماعية الكبرى، وعلى رأسها التعليم، الصحة، والتشغيل.
كما أن القطاعات الوزارية التي تشهد أكبر قدر من الانتقادات، تقودها أحزاب رئيسية في الائتلاف الحكومي، هما التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة، وهو ما زاد من حدة الغضب الشعبي وفتح باب التساؤلات حول نجاعة الأداء الحكومي وقدرته على الاستجابة لتطلعات الشارع.
الاحتجاجات، رغم سلميتها، حملت رسائل واضحة حول تآكل الثقة بين المواطن والحكومة، خاصة بعد موجات الغلاء المتتالية، وتراجع فرص الشغل، واستمرار أزمة المنظومتين التعليمية والصحية.
وفي الوقت الذي يُنتظر فيه من الحكومة تقديم حلول ملموسة، يلاحظ المتتبعون تأخراً في التواصل السياسي وغياب مبادرات حقيقية لتهدئة الأمور ، ما يُفسر استمرار الشارع في الضغط عبر الاحتجاج.
يبدو أن الدولة، عبر أجهزتها الأمنية، اختارت نهج التروي والاحتواء بدل المواجهة، في مقابل ترك الكرة في ملعب الحكومة الحزبية لتصحيح المسار.
غير أن استمرار الاحتجاجات يكشف عن تحول نوعي في المزاج الاجتماعي، قد يفرض على السلطة التنفيذية مراجعة سياساتها الاجتماعية والاقتصادية بشكل عاجل، لأن الأمن مهما كان متزناً لا يمكن أن يعوّض غياب العدالة الاجتماعية ولا يهدئ جوع المطالب الشعبية.
04/10/2025