kawalisrif@hotmail.com

الحسيمة :    الفضاءات العمومية بين التوطين والاستحواذ … متى تتحقق العدالة الثقافية ؟

الحسيمة : الفضاءات العمومية بين التوطين والاستحواذ … متى تتحقق العدالة الثقافية ؟

تُعدّ الفضاءات العمومية ركيزة أساسية في النهوض بالحركة الثقافية والفنية، إذ خُصصت لتكون متنفسًا للإبداع والتجريب والتلاقي بين مختلف الفاعلين في المجال. غير أن الواقع الميداني يكشف عن صورة مغايرة تمامًا، بعد أن تحوّل بعضها إلى فضاءات محتكرة تُدار بعقلية الإقصاء بدل المشاركة.

في إحدى المدن، أقدمت جمعية مستفيدة من نظام التوطين الثقافي على تقديم طلب لاستغلال قاعة عمومية لفترة طويلة الأمد، ما جعلها محجوزة لها بشكل شبه دائم، رغم أنها تظل في أغلب الأوقات مغلقة وفارغة.

هذا الوضع، الذي يبدو بسيطًا في ظاهره، حرم العديد من الفرق المسرحية والجمعيات الأخرى من فضاء للتداريب والعروض، في ظل محدودية الفترات الزمنية المخصصة لهم، مما انعكس سلبًا على دينامية المشهد الثقافي المحلي.

الأدهى من ذلك أن الجمعية المعنية لا تُبدي أي استعداد للتعاون أو تقاسم الفضاء مع باقي الفاعلين، في تناقض صارخ مع روح العمل الثقافي التي تقوم على الانفتاح والتضامن.

فالتوطين داخل مركز ثقافي لا يعني بأي حال من الأحوال الاستحواذ عليه، بل يُفترض أن يكرس مبدأ الشراكة والتداول العادل على الموارد العمومية. وإلا فإن المفهوم يُفرغ من محتواه ويتحوّل المرفق العام إلى ملكية شبه خاصة، تُدار بمنطق الامتياز لا الخدمة العامة.

كنا نعتقد أن مثل هذه السلوكيات قد ولّت مع الزمن، غير أن الواقع يؤكد أن بعض الأطراف ما تزال تصرّ على لعب دور “العصا فالرويضة” كما يُقال بالدارجة، مُعيقةً أي محاولة لتوسيع المشاركة الثقافية أو ترسيخ العدالة في الولوج إلى الفضاءات العمومية.

في مدينة الحسيمة مثلاً، أصبح جزء من ما يُسمّى بـ“المجتمع المدني” يعيش على وقع تناقضات صارخة، حيث تستفيد بعض الجمعيات من دعم الدولة باسم الثقافة والتنمية، لكنها في المقابل تُمارس احتكارًا للفضاءات وتهميشًا لبقية الفاعلين، دون حسيب أو رقيب.

هذا النموذج يعكس إحدى صور الفساد الناعم الذي يستنزف المال العام ويُفرغ المشاريع الثقافية من مضمونها الحقيقي، مُعمّقًا بذلك أزمة الثقة بين المواطن والمؤسسات، ومُؤجلاً حلم العدالة الثقافية التي ما تزال بعيدة المنال.

05/10/2025

Related Posts