على مدى سنوات، كان J.F.، عنصر الحرس المدني المكلّف بمراقبة ميناء سبتة المحتلة، الرجل الذي يفترض أن يمنع مرور كل ما هو ممنوع عبر المضيق. لكنّه، وفقاً لملف الادعاء العام الإسباني، تحوّل إلى العكس تماماً: حارس يفتح الأبواب بدل أن يغلقها. فقد اتهمته النيابة بالتواطؤ مع شبكتين من تجار المخدرات، ومع مهربين أفراد كانوا يستغلون سياراتهم لنقل الحشيش، مقابل مبالغ مالية زهيدة لا تتعدى بضعة آلاف من اليوروهات في كل مرة.
منذ عقود، يشكل خط سبتة المحتلة – الجزيرة الخضراء واحداً من أكثر المسالك حيوية في تجارة الحشيش عبر مضيق جبل طارق. لكن قلّما ظهرت ملامح الفساد داخل الأجهزة الأمنية بهذه الوضوح، كما في عملية “ATAM-Macetero” التي قادتها الشرطة الوطنية الإسبانية بالتعاون مع جهاز استخبارات الحرس المدني.
أسفرت العملية عن اعتقال الحارس J.F. إلى جانب ثلاثة عشر شخصاً، وضبط 577 كيلوغراماً من الحشيش بقيمة تفوق مليون يورو، نجح جزء منها في عبور الميناء بفضل تواطؤ من يُفترض أنه يفتش المركبات.
بحسب النيابة، كان الحارس يبيع “غضّ الطرف” مقابل ما بين 3.000 و5.000 يورو في كل عبور، ضامناً مرور سيارات محمّلة بالمخدرات نحو الجزيرة الخضراء. وهناك، كانت البضاعة تُفرَّغ قبل أن تتوزع على شبكات التهريب داخل التراب الإسباني.
في إحدى المرات، سمح بمرور سيارة من نوع Seat Cupra محمّلة بـ 80 كيلوغراماً من الحشيش، “بشكلٍ كان يمكن لأي شخص ملاحظته بمجرد فتح الصندوق الخلفي”، كما ورد في تقرير النيابة. وبعدها بأشهر، عبرت سيارات أخرى — من بينها Opel Corsa وSeat Ibiza — بكميات تتراوح بين 50 و80 كيلوغراماً، كلها بتسهيلات مماثلة.
ولم يكن الحارس وفياً لشبكة واحدة، بل تعامل مع أكثر من تنظيم، بل وحتى مع أفراد منفصلين، حيث أشرف على تمرير سيارات محمّلة بكميات تتفاوت بين 27 و76 كيلوغراماً من الحشيش، ووصل به الأمر إلى تسهيل مرور أربع سيارات أودي كانت إطاراتها محشوة بالمخدرات.
تقول النيابة إن تصرفاته كانت “منتظمة ومستمرة عبر الزمن”، وأنه حوّل موقعه الرسمي إلى بوابة خاصة لتهريب الحشيش مقابل رسوم يدفعها المهربون.
منذ أن تولّى مهمته سنة 2015، كان J.F. يعرف الميناء بكل تفاصيله: المواعيد، الممرات، واللحظات التي يمكن فيها تمرير السيارات دون تفتيش دقيق. كانت الحمولة تُخزَّن في كراجات بأحياء مثل “الأمير” و“ميرامار” داخل سبتة المحتلة، لتنقل لاحقاً على متن عبّارات مختارة بعناية نحو الضفة الأخرى.
ومع مرور الوقت، بدأت الاتصالات الهاتفية والعمليات الميدانية تكشف خيوط التواطؤ. وفي 11 فبراير 2025، نفذت الشرطة الإسبانية عملية متزامنة في سبتة المحتلة والجزيرة الخضراء وسرقسطة، انتهت باعتقال الحارس وعدد من المتورطين.
تطالب النيابة العامة اليوم بـ ثماني سنوات ونصف سجناً وعشرين سنة من الحرمان من الوظيفة العمومية ضد العنصر الذي خان مهمته. وفي موانئ الجزيرة الخضراء، حيث تمر آلاف السيارات يومياً، يتردّد صدى القصة بمرارة: حتى الحراس قد ينسون أحياناً لماذا وُضعوا عند البوابة.
وفي النهاية، لم يكن J.F. مجرد حارس عند بوابة سبتة المحتلة، بل مرآةً لزمنٍ اختلطت فيه الأدوار بين من يطارد المهربين ومن يفتح لهم الطريق. فبين رنين العملات المعدنية في جيبه وصدى القسم الذي أدّاه ذات يوم، انهارت الحدود بين الواجب والخيانة. اليوم، يقف الحارس نفسه خلف القضبان، يتأمل البوابة التي خانها، فيما تمرّ أمامها آلاف السيارات كل يوم، تحت أنظار رجالٍ يشبهونه… لكن أحداً لا يدري أيّهم التالي الذي سيبيع صمته مقابل عبورٍ آخر عبر المضيق.
07/10/2025











