تتواصل أمام المحكمة الوطنية الإسبانية فصول محاكمة المغربي ياسين كانجا، المتهم بارتكاب الهجوم الدموي على كنيستين في مدينة الجزيرة الخضراء سنة 2023، والذي أسفر عن مقتل القس الإسباني دييغو فالنسيا وإصابة كاهنٍ آخر بجروح خطيرة.
وخلال جلسة الثلاثاء، قدّمت الشرطة الوطنية الإسبانية تقريراً مفصلاً حول ما وصفته بـ“عملية تطرفٍ سريعة” مرّ بها المتهم خلال الأسابيع التي سبقت الحادث. وأوضحت رئيسة وحدة التحقيق بالمكتب المركزي للمعلومات أن كانجا، الذي كان يعيش في وضعية غير نظامية بإسبانيا، أظهر في الشهرين الأخيرين قبل الهجوم مؤشراتٍ فكرية وسلوكية متطرفة، بعد أن غيّر عاداته اليومية وتوقف عن التدخين وشرب الكحول وبدأ يُكثر من الصلاة ونشر محتوى ديني متشدد عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ووفقاً لما عرضه المحققون أمام هيئة المحكمة، فقد وثّقت الشرطة حوالي سبعين منشوراً على حساب المتهم في “فيسبوك” تتضمن مقاطع وصوراً لوعاظ متطرفين يحرّضون على ما يُسمى “الجهاد”. كما أكّد تقرير صادر عن الإنتربول أن كانجا تأثر بخطب ودروس لداعيتين معروفين بدعوتهما للعنف ضد الغرب، هما المصري خالد راشد والمغربي محمد حسن.
وتضمّن الملف رسائلَ نصية تبادَلها المتهم مع أفراد من أسرته، من بينها رسالة إلى والدته قبل يومين من الهجوم كتب فيها: “قريباً ستسمعين اسمي في الأخبار”، وهي العبارة التي اعتبرتها الشرطة دليلاً واضحاً على نيّته المسبقة في تنفيذ الاعتداء.
في المقابل، دافع محامي المتهم عن موكله، مؤكداً أنه “لم يكن يخطط لأي عمل إرهابي” وأن بعض المراسلات التي فسّرتها الشرطة على أنها متطرفة، “كانت في سياقٍ ديني شخصي، وليست دعوةً للعنف”.
وخلال الجلسة نفسها، استمعت المحكمة إلى شهادات عددٍ من عناصر الشرطة الذين شاركوا في عملية الاعتقال ومعاينة مسرح الجريمة. وأكد أحدهم أنه وجد القس الجريح ممدداً داخل الكنيسة مصاباً بجرحٍ غائر في مؤخرة العنق، بينما أظهرت مقاطع الفيديو التي عرضت أمام المحكمة لحظة ملاحقة القس فالنسيا واعتداء المتهم عليه بالسيف بعد أن سقط أرضاً.
وفي مرحلة لاحقة من المحاكمة، قدّم فريق الطب الشرعي تقريره الذي أثبت أن الضحية تلقى ثلاث طعنات قاتلة، بينها واحدة بلغ طولها 27 سنتيمتراً وأصابت منطقة الرأس مباشرة، ما أدى إلى وفاته في الحال.
رئيس الجلسة، القاضي ألفونسو غيڤارا ماركوس، أعلن أن الجلسة المقبلة ستخصَّص للاستماع إلى الخبرة النفسية الخاصة بالمتهم، لتحديد ما إذا كان يتمتع بالقدرة العقلية الكاملة أثناء ارتكاب الجريمة، إضافةً إلى منحه حقّ الكلمة الأخيرة قبل المداولات النهائية.
قضية ياسين كانجا تعيد إلى الواجهة إشكالية “التطرف المعزول” داخل أوروبا، وما يرافقها من جدل حول إدماج المهاجرين وتسييس قضاياهم. فبين رواية الأمن الإسباني التي تُركّز على الخطر العقائدي، ودفاع المتهم الذي يتحدث عن اضطراب نفسي وانهيار اجتماعي، تظلّ الأسئلة الكبرى مفتوحة حول أسباب التحوّل المفاجئ لشبابٍ يعيشون على هامش المجتمع الأوروبي، بين الحرمان والوصم والبحث عن هوية.
في المغرب، تتابَع المحاكمة باهتمامٍ بالغ من الإعلام والرأي العام، لما تحمله من انعكاسات على صورة الجالية المغربية بإسبانيا وعلى النقاش المستمر حول كيفية مواجهة التطرف دون الوقوع في فخّ التعميم.
07/10/2025