kawalisrif@hotmail.com

الناظور – الدريوش- الحسيمة … صمت الشوارع في ظل إحتجاجات جيل “زيد 212” مقارنة بمدن المملكة بسبب هجرة 220 ألف شاب في ظرف خمس سنوات

الناظور – الدريوش- الحسيمة … صمت الشوارع في ظل إحتجاجات جيل “زيد 212” مقارنة بمدن المملكة بسبب هجرة 220 ألف شاب في ظرف خمس سنوات

في الوقت الذي اهتزت فيه أغلب المدن المغربية على وقع احتجاجات “جيل زيد 212”، اختارت أقاليم الريف المغربي —الذي كان يوماً ما مهداً لأحد أبرز الحركات الاجتماعية في العقد الأخير— أن يقف على مسافة من هذه الموجة الجديدة.

فمن الناظور إلى الحسيمة مروراً بالدريوش، بدا أن الشارع الريفي اتسم بالتحفظ والتريث، رغم التعاطف الواسع الذي أبداه عدد من النشطاء المحليين مع مطالب الشباب وموجة الغضب التي عبّر عنها هذا الحراك الافتراضي.

ويرى متتبعون أن خطاب ناصر الزفزافي، الذي ألقاه على هامش جنازة والده، كان له وقع بالغ في تهدئة الأجواء وإعادة ضبط إيقاع النقاش داخل المنطقة.

فكلماته التي وجّه فيها انتقاداً حاداً لمن يحاولون المتاجرة بآلام الريف ومعاناة ساكنته، جاءت في لحظة حساسة، لتؤكد أن المرحلة تحتاج إلى وعي ومسؤولية أكثر من الحاجة إلى تأجيج الغضب.

الزفزافي، المعتقل على خلفية “حراك الريف”، دعا في أكثر من مناسبة إلى الصفح والمصالحة الوطنية، مبرزاً أن زمن المواجهة قد ولى، وأن المغرب بحاجة اليوم إلى مرحلة جديدة عنوانها البناء المشترك والعدالة المجالية.

كلمة الزفزافي، التي وُصفت من قبل المراقبين بأنها “رسالة اتزان وعقلانية”، نزلت كقطعة ثلج على رؤوس من كانوا يتربصون بأي اضطراب في الشمال، لتعيد إلى الواجهة فكرة أن الريف، رغم جراحه، لا يزال وفياً لوحدة الوطن ومؤمناً بمستقبله المشترك.

غير أن هذا الهدوء الظاهر يخفي وراءه تحولات اجتماعية واقتصادية عميقة ومقلقة.

فبحسب أرقام رسمية صادرة عن معهد متخصص في شؤون الهجرة، غادر ما يفوق 220 ألف شاب شمال المغرب في ظرف خمس سنوات فقط، تزامناً مع فترة جائحة كورونا، بحثاً عن أفق جديد في الضفة الأخرى.
وتشير المعطيات إلى أن أغلب هؤلاء تتراوح أعمارهم بين 16 و38 سنة، وينحدرون أساساً من أقاليم الناظور، الدريوش، والحسيمة.

هذا النزيف البشري، الذي استنزف طاقات المنطقة وعقولها الشابة، انعكس —بحسب محللين— على ضعف الزخم الاحتجاجي الأخير، إذ غاب العنصر الأكثر حيوية في أي حراك اجتماعي: الطلبة والتلاميذ، الذين كانوا في السابق وقود الشارع وصوته الصادح بالمطالب الاجتماعية.

ولذلك، لم تشهد مدن الشمال أي تصعيد أو خروج جماهيري واسع، وهو ما فسره مراقبون بأنه “هدوء إيجابي” يعكس تحولاً في الوعي الجماعي، حيث أصبح الشباب يميل إلى التعبير الرقمي والسلمي عوض الاحتجاج الميداني، انسجاماً مع مرحلة جديدة من النضج الاجتماعي والسياسي.

ورغم أن المطالب الاجتماعية والاقتصادية لا تزال قائمة ومشروعة، فإن الأحداث المؤسفة التي عرفتها بعض المدن خلال العقد الماضي جعلت أبناء الريف أكثر حذراً، وأكثر تمسكاً بخيار الإصلاح التدريجي والمصالحة الهادئة بدل منطق الصدام والمواجهة.

وبين “جيل الزفزافي” و”جيل زيد 212”، تتشكل ملامح وعي مغربي جديد، عنوانه الإيمان بالتغيير داخل إطار الوطن، والسعي إلى العدالة الاجتماعية بأساليب أكثر عقلانية وحداثة.

جيل لا يقيس الغضب بعدد الشعارات في الشوارع، بل بقدرته على تحويل المطالب إلى فعلٍ وطنيٍّ ملموس يسهم في بناء مغرب متوازن تسوده الكرامة والإنصاف.

 

07/10/2025

Related Posts