في مشهدٍ يقطر توتراً ويكشف عمق الارتباك الذي يعيشه النظام الجزائري، خرج وزير الخارجية أحمد عطّاف ليردّد أسطوانةً مشروخة عن ما يسميه “القضية الصحراوية”، مستعملاً قاموساً قديماً من عبارات “العقيدة الأممية” و“تصفية الاستعمار” و“حق تقرير المصير”، وكأنّ الجزائر ما تزال تملك أوراق التأثير في ملفٍ حُسم ميدانياً وسياسياً منذ زمن بعيد.
لكن خلف هذه التصريحات المرتبكة، تختبئ حقيقة مرّة للنظام الجزائري: العالم تغيّر، والمغرب انتصر دبلوماسياً. فعندما يتحدث عطّاف عن “العقيدة الأممية” بدل قرارات مجلس الأمن، فهو يُعلن عملياً القطيعة مع منطق الشرعية الدولية، التي أصبحت تميل بوضوح لصالح مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. وحين يهاجم “سياسات الأمر الواقع”، فإنه يعترف ضمناً بأن الواقع تغيّر فعلاً، وأن الصحراء مغربية بالفعل، تنعم بالأمن والتنمية، بينما مشروع الانفصال يتهاوى وسط سراب تندوف.
الجزائر التي أنفقت مليارات الدولارات من قوت شعبها على معركة خاسرة، تقف اليوم عاجزة عن إقناع حتى أقرب حلفائها بخطابها المتجاوز. أما ما تبقّى من جبهة البوليساريو، فلم يعد سوى ظلّ باهت يتحرّك بتغذية اصطناعية من قصر المرادية، يقتات على الأوهام، وينهار أمام قوة الواقع.
في المقابل، تمضي الدبلوماسية المغربية بثبات وذكاء: العيون والداخلة تتحولان إلى مركزين اقتصاديين واعدين، القنصليات تُفتح تباعاً، الاستثمارات تتدفق، والعالم يرسّخ يوماً بعد يوم اعترافه بسيادة المغرب الكاملة على أقاليمه الجنوبية. تلك هي “سياسات الواقع” التي يخشاها عطّاف ويحذر منها، لأنها ببساطة واقع لا يمكن إنكاره ولا تزويره.
اليوم، لا أحد يصدق شعارات “تصفية الاستعمار” التي يلوّح بها النظام الجزائري. فالاحتلال الحقيقي ليس في الصحراء المغربية، بل في عقول بعض قادة الجزائر، العالقة في زمن الحرب الباردة، والعاجزة عن مواكبة التحولات الجيوسياسية الكبرى.
العالم يقف على أعتاب قرار أممي حاسم سيغلق نهائياً ملف الانفصال، ويكرّس مغربية الصحراء كحقيقة دولية غير قابلة للطعن. والجزائر، التي راهنت على الوهم، تدرك أن النهاية باتت قريبة، وأن “المسرحية الانفصالية” تلفظ أنفاسها الأخيرة .
09/10/2025