مشروع الأثقاب: استجابة فورية لحاجة القرى
يأتي المشروع الذي تتضافر فيه جهود وكالة الحوض المائي اللكوس والمديرية الإقليمية للتجهيز والماء بالحسيمة، كجزء من استراتيجية وطنية لمواجهة الإجهاد المائي. ويهدف هذا العمل الميداني بالأساس إلى حفر أثقاب مائية استكشافية في عدة مناطق بالإقليم، ليتم لاحقاً تحويل الناجح منها إلى آبار استغلالية مستدامة.
وتكتسي هذه الخطوة أهمية قصوى لكونها تركز بشكل مباشر على الجماعات القروية التي تعاني من نقص مزمن في البنيات التحتية المائية. ومن المنتظر أن تساهم هذه الأثقاب في تأمين التزود بالماء للمنشآت الحيوية كالمدارس القروية والمساجد، ما يعكس مقاربة تهدف إلى تحسين الظروف المعيشية والحفاظ على استمرارية الخدمات الأساسية في المناطق النائية.
الحسيمة تحت وطأة الجفاف وتدهور المخزون
تتأكد ضرورة هذه التدخلات الاستعجالية بالنظر إلى الوضع المائي المقلق الذي يشهده الإقليم. فالمعطيات الأخيرة تشير إلى انخفاض حاد في منسوب المياه بالسدود الرئيسية، حيث لا تتجاوز نسبة الملء في سد محمد بن عبد الكريم الخطابي، الأكبر في المنطقة، حدوداً تنذر بالخطر (أقل من 20% في بعض الفترات الأخيرة)، فضلاً عن سد الجمعة.
هذا التراجع في الموارد السطحية تزامن مع تسجيل حالات احتقان اجتماعي، حيث شهدت جماعات قروية مثل تماسينت احتجاجات واسعة على الانقطاعات المتكررة للماء، كما أثارت تقارير عن تغير لون مياه الشرب في مراكز حضرية مثل إمزورن مخاوف صحية لدى السكان، مما يضاعف الضغط على الجهات المسؤولة لإيجاد حلول جذرية وعاجلة.
جهد هيكلي شامل: الآبار ضمن استراتيجية كبرى
لا يقف سعي الإقليم لتعزيز أمنه المائي عند حدود الآبار الاستكشافية. بل يندرج هذا المشروع ضمن مجهود هيكلي شامل يستفيد من استثمارات كبرى في قطاع الماء بالجهة، والتي تجاوزت مئات الملايين من الدراهم. ومن أبرز الركائز التي تعتمد عليها استراتيجية الحسيمة:
— محطة تحلية مياه البحر: تعمل المحطة الحالية بطاقة إنتاجية مهمة، ويجري حالياً تنفيذ مشاريع لتوسعتها ودعمها بوحدات تحلية متنقلة ذات صنع مغربي لرفع الطاقة الإنتاجية، خاصة في مواسم الذروة الصيفية.
— سد غيس (الضخم): تتسارع وتيرة إنجاز هذا السد الحيوي (بغلاف مالي تجاوز 1.3 مليار درهم) والذي أوشك على الانتهاء، ومن المرتقب أن يشكل خزاناً استراتيجياً يضمن تزويد المدينة والمراكز المجاورة بالماء على المدى الطويل.
— ترشيد الاستهلاك: تم إصدار قرار عاملي لتقنين استعمال المياه، يهدف إلى مراقبة الموارد المائية وترشيد استهلاكها في أنشطة مثل غسل السيارات وسقي المساحات الخضراء.
إن اللجوء إلى استغلال المياه الجوفية عبر الأثقاب يمثل حلاً تكميلياً وضرورياً، خاصة في زمن الإجهاد المائي، لضمان مرونة أكبر في شبكات التوزيع وكسر العزلة المائية عن التجمعات السكانية الأشد احتياجاً، مؤكداً التزام السلطات بمواجهة التحديات المائية لضمان الولوج المستدام لهذه المادة الحيوية لسكان إقليم الحسيمة.