في خطوة جديدة تكشف عمق الارتباك الذي يطبع الخطاب الرسمي الجزائري، عاد الرئيس الجزائري إلى توجيه اتهامات مبطّنة لدولة الإمارات العربية المتحدة، دون أن يسميها صراحة، متحدثًا عن “دول تتدخل في شؤون الجزائر الداخلية”.
ورغم محاولته إضفاء الغموض على هوية الجهة المقصودة، فإن المتابعين للشأن المغاربي لم يجدوا صعوبة في فك شفرة الرسالة، خصوصًا وأن الإمارات تُعد من أبرز الدول العربية الداعمة بشكل واضح وصريح لمغربية الصحراء، سواء من خلال افتتاح قنصليتها العامة بمدينة العيون سنة 2020، أو عبر مواقفها الدبلوماسية الثابتة داخل المحافل الدولية دفاعًا عن وحدة التراب المغربي وعدالة قضيته الوطنية.
اللافت أن الرئيس الجزائري لا يقصد بما يسميه “التدخل الخارجي” ما قد يتبادر إلى الأذهان عادة من دعمٍ لمعارضة سياسية أو محاولات للتأثير في القرار الداخلي، وهو يدرك جيدًا أن الإعلام الإماراتي لم يسبق أن تناول الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتأزمة في بلاده، من طوابير طويلة بحثًا عن مواد استهلاكية أساسية، إلى بنية تحتية متقادمة وخدمات عمومية متدنية.
بل إن ما يثير حفيظة النظام الجزائري هو الموقف المبدئي للإمارات من قضية الصحراء المغربية واعتبارها جزءًا لا يتجزأ من وحدة المملكة، في وقت ما تزال فيه القيادة الجزائرية تُصرّ على ربط وجودها واستمراريتها بإدامة النزاع المفتعل في المنطقة.
ويبدو أن دوائر الحكم في الجزائر تتوجس أيضًا من توسع الحضور الدبلوماسي والاقتصادي للإمارات في المنطقة المغاربية والساحل الإفريقي، سواء في ليبيا أو مالي أو موريتانيا، حيث تنظر الجزائر إلى أي انفتاح عربي أو إفريقي على أبوظبي كـ”تهديد لنفوذها التقليدي”، بدل أن تعتبره تعاونًا مشروعًا بين دول ذات سيادة.
ولا تخلو المفارقة من سخرية حين نعلم أن الجزائر، التي تعترض على علاقات إسبانيا المتطورة مع الإمارات في المجال الطاقوي، تغضّ الطرف عن التبعية المتزايدة لأوروبا للغاز الأمريكي، الذي أدى إلى تقليص الحصة الجزائرية في أهم أسواقها. وهو ما يعكس ازدواجية واضحة في الموقف الرسمي الجزائري، القائم على حسابات سياسية ضيقة أكثر من كونه قائمًا على منطق المصالح الاقتصادية أو السيادة الوطنية.
في المحصلة، لا يبدو أن ما يثير غضب النظام الجزائري هو “التدخل الإماراتي” كما يحاول تسويقه، بقدر ما هو النجاح الدبلوماسي المغربي في كسب تأييد عربي ودولي متزايد لقضية الصحراء المغربية، وترسيخ واقع جديد على الأرض عنوانه الوضوح والشرعية.
فبينما تنخرط الإمارات ومعها دول عربية وإفريقية عديدة في دعم مقاربة المغرب الواقعية والحكيمة، يواصل النظام الجزائري الارتهان لخطاب خشبي تجاوزه الزمن، يقوم على افتعال العداء وتغذية النزاعات بدل بناء جسور التعاون والتكامل المغاربي.
11/10/2025