في خطوة لافتة ذات رمزية سياسية وثقافية عميقة، أصدر حزب ائتلاف من أجل مليلية (Coalición por Melilla – CpM) بيانًا صحفيًا بمناسبة اليوم الوطني لإسبانيا (Día de la Hispanidad)، عبّر فيه عن تقديره واعتزازه بما سماه “الحركة التاريخية” لسكان مليلية الأمازيغ قبل أربعين عامًا، الذين طالبوا آنذاك بالاعتراف بمواطنتهم الكاملة داخل الدولة الإسبانية (المستعمِرة)، وبإنهاء التمييز ضدهم باعتبارهم مواطنين من أصل أمازيغي ومن السكان الأصليين للمدينة.
وأكد الحزب في بيانه الصادر بتاريخ 10 أكتوبر 2025 أن تلك الخطوة لم تكن عملًا انقساميًا، بل “إعلان انتماء والتزام بالأرض وبإسبانيا”، حسب تعبير البيان ورؤية الحزب، “قائمًا على قيم المساواة والعدالة والكرامة”. وأضاف أن سكان مليلية الأمازيغ كانوا، منذ عام 1985، في طليعة من رفعوا أصواتهم للمطالبة بالمساواة القانونية والاجتماعية، مشيرًا إلى أن ذلك الحدث كان “نقطة تحوّل في تاريخ المدينة وبداية طريق نحو مليلية أكثر عدلًا ووعيًا بهويتها المتنوعة”.
ومن المعلوم أن سنة 1985 شهدت انتفاضة وحراكًا شعبيًا من أجل المطالبة بالحقوق الكاملة بعد عقود من الإقصاء والتهميش الممنهج، أسفرت عن منح الهوية والإقامة، وإدماج السكان الأمازيغ في مختلف مناحي الحياة بعد حرمانهم لسنوات من ولوج المدارس والمعاهد الإسبانية، ومن التوظيف العمومي، والسكن الاجتماعي، وحقوق التصويت والمشاركة السياسية.
كما شدّد الحزب على أن الهوية الأمازيغية تُشكّل “عنصرًا أساسيًا من روح مليلية”، داعيًا إلى تعزيز حضورها وحمايتها من خطابات الكراهية والانقسام، معتبرًا أن “أن تكون إسبانيًا يعني أيضًا الدفاع عن المساواة في الحقوق بين جميع المواطنين، بغضّ النظر عن الأصل أو الدين أو الانتماء”.
وأكد البيان أن اللغة الأمازيغية (ثمازيغت) تمثل جزءًا من النسيج الثقافي والاجتماعي للمدينة، وأن الاعتراف بها كلغة رسمية إلى جانب الإسبانية سيكون “تعبيرًا عن احترام الواقع السوسيولغوي لمليلية”، وخطوة نحو “تعزيز التنوع الذي يُغني إسبانيا بدل أن يقسّمها”.
واختتم الحزب بيانه بتجديد التزامه بالدفاع عن التعدد الثقافي داخل الثغر المحتل، معتبرًا أن مليلية “جسر للتعايش بين الضفتين”، ومدينة “متعددة الثقافات تصلح نموذجًا يُحتذى به في إسبانيا وباقي العالم”.
ويرى مراقبون أن هذا البيان يعكس محاولة من حزب “ائتلاف من أجل مليلية” — الذي يمثل شريحة واسعة من المغاربة المقيمين بالمدينة المحتلة — لإعادة التذكير بجذور الهوية الأمازيغية لمليلية، في ظلّ تصاعد التوترات الثقافية والتمييز اللغوي الذي يشهده الثغر في السنوات الأخيرة.
كما يأتي هذا التحرك في سياق أوسع من النقاش الدائر داخل الأوساط الإسبانية حول تعدد الهويات الوطنية وضرورة الاعتراف بالتنوع الثقافي واللغوي في مناطق الحكم الذاتي، بما فيها مدينتا سبتة ومليلية المحتلتان.