في لحظة مؤثرة غمرها التقدير والسكينة، أعلنت لجنة German Medical Award 2025 في ألمانيا عن فوز الطبيب المغربي الدكتور ميمون عزيزي، سليل قبيلة كبدانة وابن بلدة أركمان بإقليم الناظور، بهذه الجائزة المرموقة التي تُعدّ من أرفع الجوائز الطبية في العالم الناطق بالألمانية. ورغم غيابه عن الحفل بسبب وعكة صحية، فقد وقف الحضور احترامًا وصفّقوا طويلاً حين أُعلن اسمه، في مشهدٍ إنساني عميق يجسّد الإجماع على تقدير عالمٍ جعل من الطب رسالةً ومن الإنسان محورًا لرسالته.
لم يكن الدكتور ميمون عزيزي مجرد طبيب أعصاب متميز، بل جسّد نموذج الطبيب الإنساني الشامل؛ فهو طبيب نفسي ومعالج نفسي وطبيب عناية مركزة ورعاية تلطيفية وشيخوخة وطوارئ، إلى جانب كونه باحثًا في علم الاجتماع والفكر الفلسفي. على مدى أكثر من خمسةٍ وعشرين عامًا من الممارسة والبحث، بنى مسيرته على رؤيةٍ تعتبر أن المريض ليس مجرد حالةٍ سريرية، بل كائنٌ يحمل قصةً وحلمًا وهشاشةً تستحق الإصغاء قبل العلاج.
تقوم فلسفته على مبدأ عميق عبّر عنه بقوله: “المريض ليس تشخيصًا، بل كونٌ كامل من التاريخ والمشاعر والهشاشة والأمل.” ومن هذا التصور الإنساني استنبط نموذج “الشفاء الثلاثي الأبعاد” الذي يرتكز على ثلاثة أعمدة: العلم، والكرامة، والعلاقة الإنسانية. بهذا النموذج، أعاد التوازن بين التقنية الحديثة وروح المهنة، مؤكدًا أن الطب الحقيقي لا يكتمل إلا حين يتقاطع العلم مع الرحمة.
وقد أثمرت أبحاثه السريرية مساهمات رائدة في تطوير الطب العصبي والطب النفسي التكميلي، ودفعته إلى ابتكار مقاربةٍ شمولية تجمع بين الأبعاد الجسدية والنفسية والاجتماعية للمريض. ونال تقديرًا خاصًا من وزير الصحة بولاية شمال الراين – فستفالن، كارل-يوسف لاومان، الذي قال في كلمته: “علّمنا الدكتور عزيزي أن الطب أكثر من مجرد تقنية، إنه لقاء إنساني يعيدنا إلى جوهر رسالتنا الحقيقية: خدمة الإنسان.”
وُلد الدكتور ميمون عزيزي في أحضان الطبيعة الساحرة لبلدة قرية أركمان بإقليم الناظور، وسط قبيلة كبدانة المعروفة بعراقتها واعتزازها بالعلم والمعرفة. ومن هناك انطلقت رحلته العلمية نحو جامعة إيسن الألمانية، حيث تميّز بتفوقه الأكاديمي وبحثه الدؤوب في القضايا الأخلاقية والطبية المعاصرة، فجمع بين دقة المدرسة الألمانية ودفء القيم المغربية الأصيلة.
وقد عبّرت السيدة زهور العلوي، القنصل العام للمملكة المغربية بألمانيا، عن فخرها بهذا الإنجاز قائلة: “إنه ابن ثقافتين جمع بينهما بانسجام، وجعل منهما مصدر قوةٍ وإلهام. هو نموذج لما يمكن أن يقدّمه المغرب للعالم حين يتلاقى العلم مع الأصالة.”
وفي رسالةٍ مؤثرة كتبها بخط يده بمناسبة فوزه، قال الدكتور عزيزي:
“إلى والدي عبد الكريم، الرجل البسيط الحكيم الذي علّمني أن المعرفة بلا تواضع خطر، وأن العلاج بلا رحمة خواء. أهدي هذه الجائزة إلى روحه.”
وبعد تلاوة كلماته، عمّ الصمت القاعة في لحظةٍ نادرة امتزج فيها الحضور العلمي بالتأمل الإنساني العميق.
الدكتور عزيزي، الذي يُعد من أبرز الأصوات في مجال أخلاقيات الطب بأوروبا، ألهم أجيالًا من الأطباء بأسلوبه الفلسفي الهادئ ورؤيته التي ترى أن الفلسفة ليست نقيضًا للعلم بل أساسه. وكان يقول دائمًا: “من يُعالج دون أن يفهم معنى الحياة، ليس طبيبًا بل تقنيّ فقط.”
كتاباته ومحاضراته تُعيد تعريف الطب باعتباره علاقة إنسانية قبل أن يكون ممارسة علمية، وتدعو إلى أنسنة المهنة في زمنٍ تسيطر فيه الأرقام والرقمنة.
إنّ فوز سليل كبدانة وابن أركمان الدكتور ميمون عزيزي بهذه الجائزة العالمية لا يمثل مجرد إنجاز فردي، بل فخرًا جماعيًا للمغرب وأبنائه في المهجر. فهو يجسد نموذج الطبيب المفكر الذي حمل جذوره من ضفاف المتوسط إلى المنابر العلمية الأوروبية، ليُثبت أن الكفاءة المغربية حين تُدعّم بالقيم قادرة على الوصول إلى أرقى المراتب العالمية.
بهذا التتويج، يؤكد الدكتور عزيزي أن الإنسان – أينما وُجد – يستطيع أن يجعل من المعرفة جسراً بين الشعوب، ومن الطب رسالةً للرحمة والحياة.
12/10/2025