kawalisrif@hotmail.com

تبون يرفض وساطة سعودية لتطبيع العلاقات مع المغرب ويبرّر استمرار إغلاق الحدود بـ”أسباب أخرى”

تبون يرفض وساطة سعودية لتطبيع العلاقات مع المغرب ويبرّر استمرار إغلاق الحدود بـ”أسباب أخرى”

في خطوة جديدة تُجسّد استمرار سياسة العداء الرسمي للنظام الجزائري تجاه المملكة المغربية، رفض الرئيس تبون، بشكل غير مباشر، وساطة سعودية رفيعة المستوى هدفت إلى رأب الصدع بين البلدين الشقيقين، وإعادة الدفء إلى العلاقات الثنائية التي جمّدتها قرارات أحادية صادرة من قصر المرادية منذ عقود.

وخلال خطاب ألقاه أمام ما يُسمّى بكبار قادة الجيش الجزائري، قال تبون:”هناك إخوة مدفوعون بنية حسنة يطلبون منا إعادة فتح الحدود مع المغرب، لكنها لم تُغلق بسبب الصحراء الغربية، بل لأسباب أخرى. من بين 62 عامًا من الاستقلال، كانت حدودنا مغلقة لأكثر من 45 عامًا. يجب أن نكون واقعيين ونتوقف عن اختراع الأكاذيب”.

هذه التصريحات، التي جاءت عقب استقباله السفير السعودي عبد الله بن ناصر البصيري، حاملاً رسالة من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أعادت إلى الواجهة حالة الجفاء المزمن التي تطبع العلاقات المغربية الجزائرية. وقد أثار غياب وزير الخارجية أحمد عطّاف عن اللقاء تساؤلات عديدة حول طبيعة الموقف الجزائري الرافض لأي انفتاح دبلوماسي حقيقي، رغم المساعي النبيلة لوساطة الرياض التي ما فتئت تسعى إلى توحيد الصف العربي وترميم جسور الثقة بين الأشقاء.

وفي المقابل، كان المشهد في الرباط مختلفًا تمامًا. ففي اليوم الموالي، استقبل الملك محمد السادس الأمير تركي بن محمد بن فهد بن عبد العزيز آل سعود، وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السعودي، الذي سلّم لجلالته “رسالة شفوية” من ولي العهد السعودي، في إشارة واضحة إلى انسجام المملكتين في الرؤى والمواقف، وإلى استمرار الدبلوماسية المغربية في نهجها الهادئ والفاعل لتعزيز التضامن العربي بروح من الواقعية والبُعد الاستراتيجي.

وبينما يمدّ المغرب يده دائمًا إلى جيرانه بروح الأخوّة والإيمان بالمصير المشترك، تواصل القيادة الجزائرية الارتهان لخطاب الانغلاق والعُقد التاريخية. فالمملكة المغربية، التي فتحت ذراعيها زمن الثورة الجزائرية وقدّمت الدعم السياسي والعسكري والمالي للجارة الشرقية حتى نالت استقلالها سنة 1962، وجدت نفسها بعد أقل من عقد أمام خيانة جار نكث العهد وطعن في الوفاء، حين أقدمت السلطات الجزائرية سنة 1975 على طرد عشرات الآلاف من المغاربة في يوم عيد الأضحى وتجريدهم من ممتلكاتهم، في مشهد مأساوي لا يزال وصمة في جبين الإنسانية.

ومنذ ذلك التاريخ، تمادت الجزائر الرسمية في سياسة الجحود، متبنّية أطروحة الانفصال ودعم كيانٍ وهميٍّ في رمال تندوف، بدل ردّ الجميل لمن كان له الفضل في دعم استقلالها. ومع مرور السنوات، لم تجنِ من هذه السياسات العدائية سوى العزلة والجمود، في وقتٍ اختار فيه المغرب، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، نهج البناء والانفتاح، راسمًا ملامح نموذج تنموي متفرّد جعل منه قوة إقليمية صاعدة وفاعلًا أساسيًا في استقرار إفريقيا والعالم العربي.

فبينما تُغلق الجزائر حدودها وتُحاصر شعبها بخطابات الشك والتوجّس، يفتح المغرب أبوابه على المستقبل، مؤمنًا بأن التنمية والدبلوماسية المتوازنة هما الطريق الأوحد نحو الازدهار. وقد أصبحت المملكة، من خلال مبادراتها الإفريقية والعربية، نموذجًا يُحتذى في توظيف القوة الهادئة والعقلانية السياسية لبناء الشراكات بدل افتعال الخصومات.

ويرى المراقبون أن الفارق بين البلدين لم يعد يُقاس بالشعارات أو الخطابات الحماسية، بل بنتائج السياسات الواقعية: فالمغرب يسير وفق رؤية ملكية استشرافية تُرسّخ التعاون جنوب-جنوب وتُعيد الاعتبار للبعد المغاربي باعتباره رافعة للتنمية والاستقرار، بينما تُصرّ الجزائر الرسمية على إعادة إنتاج خطاب الحرب الباردة متشبثة بأوهام الزعامة الزائفة.

أما تبون، فلا يزال حبيس مشهدٍ قديم من إنتاج وإخراج جنرالات “الكراغلة”، يكرّر أدوار أسلافه في مسرح سياسي فقد حبكته ومصداقيته. وبينما يراوح النظام الجزائري مكانه في عزلة متزايدة، يواصل المغرب كتابة فصول قصة نجاحه التنموي والدبلوماسي بثباتٍ وثقة، مستندًا إلى شرعيةٍ تاريخية ورؤيةٍ ملكية تجمع بين الحكمة والطموح، واضعًا اليد الممدودة لجلالة الملك محمد السادس كعنوانٍ لسياسة دولةٍ ترفض الانغلاق وتؤمن بأن المستقبل يُبنى ولا يُمنع.

12/10/2025

Related Posts