في قلب مدينة الناظور، وتحديدًا بالقرب من المستشفى الحسني وسوق “أشوماي”، تتكرر مشاهد الفوضى اليومية في منطقة يفترض أن تكون نموذجًا للنظام والسكينة، لكنها تحولت إلى عنوان للاختناق والارتباك الإداري، ولتراكم مشكلات لم يعد المواطن قادرًا على تحملها بصمت.
ناهيك عن المتسكعين ليلاً، ومظاهر السكر العلني، والكلمات النابية، وضجيج السكارى، والأصوات المزعجة التي تفرض على السكان حظر فتح النوافذ، حماية من الضوضاء والروائح، وكأن الحي أصبح ساحة مفتوحة للفوضى وتحدي القانون.
ما أن تقترب من هذه النقطة الحساسة حتى تصطدم بعالم موازٍ: طرق محتلة بالكامل، باعة يفترشون الأرصفة، سيارات متوقفة بشكل عشوائي، وصوت المحركات يمتزج بصيحات التجار والمارة… مشهد يُجسد الهوّة العميقة بين الخطاب الرسمي والتطبيق الميداني، ويكشف الغياب شبه التام للمراقبة، رغم قرب المكان من أحد أهم المرافق الصحية بالإقليم.
ولا يقتصر الضرر على عرقلة المرور فحسب، بل يشمل البعد البيئي والصحي، حيث تُظهر صور توثيقية أن بعض بائعي السمك يتركون مخلفات منتجاتهم لليوم الموالي، ما يُفوح منه روائح كريهة تصيب السكان بالانزعاج، وتزيد من معاناة الأطفال والمرضى القادمين إلى المستشفى القريب. هذه المخلفات، المختلطة بمياه الأمطار وفضلات الأسواق، تحوّل الأزقة إلى بيئة غير صحية تهدد سلامة الجميع.
ورغم وضوح النصوص القانونية التي تُجرّم احتلال الملك العمومي وعرقلة السير، فإن الشوارع المحيطة بسوق “أشوماي” تحولت إلى فضاءات تجارية عشوائية، تُربك حركة المرور وتؤرق حياة المواطنين، دون أي تدخل حازم من السلطات المحلية، تحت ذرائع “إيجاد حلول توافقية” التي لم تُسفر سوى عن مزيد من الفوضى والاحتلال العلني للملك العام.
وفي تعبير مؤلم عن الواقع، كتب أحد سكان الحي، محمد مرابط، في تدوينة على صفحته:
“تحولت الأزقة إلى متاهات من الفوضى، لم نعد قادرين على دخول بيوتنا بسهولة، الأطفال مهددون، والسيارات محاصرة من كل جانب. طرقنا كل الأبواب، لكن لا حياة لمن تنادي. روائح السمك تملأ الشارع، والمخلفات تبقى من يوم لآخر بلا رقابة. هل يرضى المسؤول أن يعيش هذا الجحيم أمام منزله؟”
كلمات محمد مرابط تختزل حجم السخط الشعبي والإحباط وسط السكان، الذين يشعرون بأن لا أحد يصغي لمعاناتهم اليومية، في وقت يكتفي بعض المسؤولين بالمشاهدة من بعيد، أو بتصريحات روتينية لا تتجاوز الورق، وكأن الأمر مجرد تمرين شكلي على تطبيق القانون بلا أثر حقيقي.
الخطاب الملكي الأخير كان واضحًا في دعوته إلى تغيير العقليات وتجديد أساليب التدبير العمومي، مؤكداً أن المسؤول الحقيقي هو من يشتغل بالقرب من المواطن، ويضع معاناته في صلب اهتماماته، لا من يختبئ خلف المكاتب ويغلق عينيه عن الواقع.
لكن، في هذه البقعة من الناظور، يبدو أن الفوضى أصبحت أمرًا عادياً، والقانون مجرد ورق يُعلق على الجدران. وبينما يواصل المواطن رفع شكاياته، يكتفي بعض المسؤولين بعبارة جاهزة: “نحن ندرس الحلول”.
وفي اللقطة الأخيرة، على طريقة أفلام هيتشكوك، يغادر المواطن منزله كل صباح، يلتفت إلى الشارع المكتظ، يتنفس رائحة المخلفات، يسمع ضوضاء السوق وصراخ السكارى، يبتسم بمرارة ويهمس:
“قرب المستشفى… يموت النظام، وتُنعش الفوضى يومها الجديد.”
ومن هنا، وإلى كل من يهمه الأمر، نوجه رجاءً عاجلاً إلى عامل إقليم الناظور، للتدخل الفوري وتحريك الشرطة الإدارية والجماعة المحلية، لتحرير الملك العمومي وإعادة النظام، وقطع الطريق على تغول نظام “الفتونة” والاحتلال العلني، الذي فرض الأمر الواقع لسنوات على حساب حقوق السكان. فالساكنة تستحق حيًّا صالحًا للعيش، بعيداً عن الفوضى، الروائح الكريهة، والصراخ الليلي للسكارى والمتسكعين.