kawalisrif@hotmail.com

اللقاء الضائع بمدريد :    كيف تحوّل الحوار الإسباني–الجزائري إلى اجتماع بلا نتيجة !

اللقاء الضائع بمدريد : كيف تحوّل الحوار الإسباني–الجزائري إلى اجتماع بلا نتيجة !

في وقت تُعيد فيه الخارطة الجيوسياسية للمتوسط ترتيب موازينها، جاء اللقاء الأمني الإسباني–الجزائري، المنعقد في مدريد، ليُذكّر أكثر بما تبقّى من الماضي، لا بما يُرسم للمستقبل. اجتماعٌ متواضع في حجمه، خافت في صداه، عُقد في أروقة وزارة الداخلية الإسبانية يوم الاثنين، بعيداً عن الأنظار، وكأنه مجرد إجراء إداري روتيني، لا حدثاً ذا بعد استراتيجي.

ترأست الاجتماع من الجانب الإسباني إلينا غارثون، المديرة العامة للعلاقات الدولية وشؤون الهجرة، ومن الجانب الجزائري كمال كيلي، مدير التعاون بوزارة الداخلية. غير أن اللقاء لم يثمر عن أي اتفاق جديد، ولا حتى مؤشرات على نية حقيقية في إعادة الدفء إلى العلاقات الثنائية. اقتصر النقاش على مراجعة تقنية لاتفاقية الأمن الموقّعة سنة 2008، في مشهدٍ يُظهر أن الحوار الإسباني–الجزائري لم يبرح بعدُ مربّع الشكلية والجمود.

الأكثر دلالة هو غياب الوجوه السياسية الوازنة، سواء من مدريد أو الجزائر، عن هذا اللقاء، وهو ما يشي بوضوح بأن الملف لم يعد يحظى بأولوية في الأجندة الإسبانية. بالنسبة لإسبانيا، الجزائر اليوم ليست أكثر من فاعل ثانوي في معادلة الأمن الإقليمي، تُستدعى أحياناً لملء فراغٍ بروتوكولي، لا لصياغة قرارات مؤثرة.

في المقابل، تتقدم الرباط بثقة في مسار مغاير تماماً. فالعلاقات المغربية–الإسبانية تعيش إحدى أزهى مراحلها منذ توقيع “خارطة الطريق” الجديدة بين البلدين. شراكةٌ حقيقية تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة والرؤية الإستراتيجية للقضايا الأمنية والهجرة والتنمية. لقد أصبحت المملكة المغربية شريكاً استراتيجياً لا غنى عنه لإسبانيا وأوروبا، ليس فقط لخبرتها الأمنية الرائدة، بل لأنها تملك رؤية إقليمية استباقية قادرة على تحويل التحديات إلى فرص.

قد تُسمّي الجزائر اجتماعها بمدريد “اجتماعاً أمنياً رفيعاً”، غير أن الواقع لا يحتاج عناوين منمّقة: مجرد لقاء إداري يُذكّرها بأن مقعدها في الخارطة المتوسطية بات شاغراً منذ أن اختارت الانعزال بدل الانخراط.

ففي الوقت الذي تتحدث فيه الرباط بلغة المشاريع المهيكلة والرهانات القارية، ما تزال الجزائر تكتفي بلغة البيانات والتصريحات الجوفاء. مدريد نفسها تدرك أن الطريق إلى الاستقرار يمر عبر الرباط لا عبر الجزائر، وأن من يضمن أمن المتوسط اليوم هو من يملك الرؤية لا من يلوّح بالشعارات.

إنها مفارقة تكشف حجم التحوّل في موازين المنطقة:

المغرب يصنع المبادرات، وإسبانيا تتفاعل معها، والجزائر تكتفي بالمشاهدة من المقعد الخلفي.

وهكذا، لا يبدو أن لقاء مدريد كان “من الدرجة الثانية” فقط، بل أقرب إلى اجتماع ظلٍّ لدبلوماسية غابت عنها الروح. فبعض الاجتماعات تُعقد لتصنع المستقبل، وأخرى تُعقد فقط لتذكّر أصحابها بأن المستقبل ليس للمتفرجين.

13/10/2025

Related Posts