kawalisrif@hotmail.com

أزمة السكن في هولندا ليست بسبب اللاجئين والمهاجرين … بل بسبب 100 مليون حيوانات  !

أزمة السكن في هولندا ليست بسبب اللاجئين والمهاجرين … بل بسبب 100 مليون حيوانات !

في الوقت الذي تتجه فيه أصابع الاتهام في هولندا نحو اللاجئين والمهاجرين بوصفهم أحد أسباب أزمة السكن الخانقة، تكشف الحقائق والأرقام أن أصل المشكلة أعمق وأعقد بكثير. فالأزمة التي تهز سوق العقار الهولندي ليست من صنع البشر القادمين من الخارج، بل من “المواطنين الصامتين” داخل الحظائر: أكثر من 100 مليون حيوان تشغل مساحات شاسعة من الأراضي وتستهلك موارد ضخمة من البيئة.

هولندا، التي تعد من أصغر البلدان الأوروبية مساحة وأكثرها كثافة سكانية، تحتضن على ترابها حوالي 89 مليون دجاجة، و10 ملايين خنزير، و3.7 مليون بقرة، إضافة إلى ما يقارب 738 ألف خروف و636 ألف ماعز. وفي بعض المناطق مثل مقاطعة برابانت، يبلغ عدد الخنازير ضعف عدد السكان، في مشهد يختصر المفارقة الهولندية بين بلد متطور اقتصاديًا ومختنق بيئيًا ومساحيًا.

الخلل لا يكمن فقط في الأعداد، بل في طريقة تدبير الأراضي. فوفق معطيات رسمية، يُستغل أكثر من نصف الأراضي الزراعية لإنتاج الأعلاف المخصصة لهذه الحيوانات، بينما لا يُخصّص سوى جزء محدود منها لزراعة الغذاء البشري أو لبناء المساكن. هذه السياسة الزراعية الموجهة نحو التصدير تجعل الأراضي الهولندية تعمل أكثر لصالح السوق العالمية للحوم ومنتجات الألبان، بدل أن تخدم احتياجات المواطنين المحليين في السكن والغذاء.

سياسيًا، اشتعل الجدل منذ أن طرح حزب D66 مقترحًا جريئًا لتقليص الثروة الحيوانية من أجل خفض انبعاثات النيتروجين وخلق مساحات جديدة لبناء المساكن والمحميات الطبيعية. غير أن هذا الطرح قوبل بموجة من التهديدات والاحتجاجات قادتها جماعات ضغط قوية من المزارعين، فيما تبنّت حركة BBB خطابًا شعبويًا ركّز على الدفاع عن “هوية المزارع الهولندي” دون أن تقدم حلولًا عملية أو مستدامة للأزمة.

في المقابل، يرى خبراء البيئة والتخطيط أن الأزمة الحالية ليست سوى نتيجة مباشرة لسنوات من السياسات التي فضّلت الاقتصاد الزراعي المكثف على التوازن البيئي والاجتماعي. فهولندا، التي طالما اعتُبرت نموذجًا في التنظيم العمراني والابتكار الزراعي، تجد نفسها اليوم أمام معادلة صعبة: كيف توفّق بين حماية البيئة، وتلبية الطلب المتزايد على السكن، والحفاظ على دورها كقوة زراعية أوروبية؟

الجواب، بحسب العديد من المحللين، لا يكمن في غلق الأبواب أمام اللاجئين أو تقييد الهجرة، بل في إعادة التفكير في أولويات استغلال الأرض. فالقضية لم تعد مجرد مسألة عقار أو بيئة، بل أصبحت قضية عدالة مجالية وتوزيع رشيد للموارد بين الإنسان والطبيعة.

وهكذا، فإن الأزمة السكنية في هولندا تكشف عن وجهٍ آخر من تناقضات الغرب المعاصر: بلدٌ يُعلي من شأن حقوق الإنسان، لكنه لم ينجح بعد في إيجاد توازن عادل بين حق الإنسان في السكن وحق الحيوان في الوجود.

13/10/2025

Related Posts