تعيش الأوساط الاقتصادية والإعلامية في السويد على وقع فضيحة مدوّية بعدما كشف تحقيق موسّع لصحيفة Sydsvenskan أن شركة “Palestine Drinks”، التي تتخذ من مدينة مالمو مقراً لها، لم تتبرع بأي درهم أو كرونة واحدة لغزة خلال سنة 2024، رغم وعودها العلنية بالتبرع بكامل أرباحها لدعم ضحايا الحرب.
الشركة التي أثارت إعجاباً واسعاً عند تأسيسها العام الماضي تحت الاسم القانوني Safadfood AB، قدمت نفسها للعالم كرمز للمقاومة الاقتصادية، وأطلقت مشروبها “Palestine Cola” كبديل أخلاقي وإنساني لعلامات تجارية عالمية متهمة بدعم الحرب على غزة.
لكن خلف الشعارات والعواطف، كانت الأرقام تخفي قصة أخرى تماماً.
تُظهر معطيات التحقيق أن الشركة، التي أسسها الشقيقان حسين وحسن حسون، ومعهما المدير التنفيذي محمد كسواني، قد حققت أرباحاً بلغت 363 ألف كرونة سويدية خلال سنة 2024، بفضل انتشار منتجاتها في مطاعم الفلافل بمالمو، وتوسعها إلى أسواق أوروبية وإفريقية، بل وحتى إلى الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا وسريلانكا.
لكن المفارقة الصادمة أن تلك الأرباح لم تجد طريقها إلى غزة أبداً، رغم أن العبوات التي تُباع في كل مكان تحمل شعاراً بارزاً: “الحرية للجميع”.
الشركة كانت قد أعلنت في أكتوبر الماضي عبر صفحاتها على وسائل التواصل الاجتماعي أنها تبرعت بنصف مليون كرونة لفائدة منظمات إغاثة سويدية مثل Nordisk Hjälp وMuslim Aid.
غير أن صحيفة Sydsvenskan أكدت، بعد مراجعة السجلات المالية، أن أي تحويلات مالية لم تتم فعلاً، وأن «مؤسسة صفد» التي أنشأها رجل الأعمال الفلسطيني حسين حسون لم تنفذ أي عملية تبرع خلال العام المنصرم.
القضية أثارت غضباً واسعاً داخل الجالية العربية والفلسطينية في السويد، التي رأت في هذه الشركة رمزاً للتضامن الشعبي مع غزة، قبل أن تتحول إلى رمز تجاري للمتاجرة بالقضية.
بعض النشطاء وصفوا ما حدث بأنه “خيانة عاطفية قبل أن تكون مالية”، فيما دعا آخرون السلطات السويدية إلى فتح تحقيق رسمي في استخدام الشعارات الإنسانية لأغراض ربحية.
القضية اليوم تتجاوز حدود السويد، لتطرح أسئلة أعمق حول ظاهرة التسويق بالقضايا الإنسانية في الغرب، حيث تتحول المآسي إلى سلعة مربحة وشعارات مؤثرة، دون أن يصل درهم واحد إلى الضحايا الحقيقيين.
وبينما تلتزم الشركة الصمت إلى حدود الساعة، تتداول وسائل الإعلام السويدية احتمال فتح تحقيق ضريبي حول أنشطة الشركة وتدفقات أموالها، في وقت تستعد فيه الجالية الفلسطينية بمالمو لتنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر الشركة الأسبوع المقبل.
هكذا تنكشف، مرة أخرى، الفجوة بين الخطاب الإنساني والممارسة التجارية، لتطرح “كولا فلسطين” سؤالاً أخلاقياً صادماً: هل يمكن أن تُروّج الحرية في عبوة… ويُمنع عنها المردود الحقيقي؟
14/10/2025