لا يكفي القول إن الهولنديين يحبّون الدراجات، فالأمر أبعد من مجرد شغف؛ إنه أسلوب حياة متجذّر في تفاصيلهم اليومية. ففي هذا البلد الأوروبي الصغير، يَفوق عدد الدراجات الهوائية عدد السكان أنفسهم، حيث تشير الإحصاءات الرسمية إلى وجود نحو 23 مليون دراجة مقابل 17.5 مليون نسمة فقط. مشهد فريد يجعل من هولندا أكبر “دولة دراجات” في العالم دون منازع.
من شوارع أمستردام المزدحمة إلى قنوات أوتريخت الهادئة، تسير الدراجات في انسياب منظم أشبه برقص جماعي على إيقاع الانضباط والوعي البيئي. كبار السن، الموظفون، الطلبة وحتى الوزراء… الجميع يختار الدراجة قبل السيارة، في بلد وضع منذ عقود خطة نقل تراعي الإنسان والطبيعة معًا.
هذا الحضور الطاغي للعجلتين لم يأت من فراغ؛ فالحكومة الهولندية استثمرت في شبكات طرق مخصصة للدراجات تمتد لآلاف الكيلومترات، ومواقف عملاقة متعددة الطوابق، وحتى إشارات مرور ذكية تُصمم خصيصًا لهم. كل ذلك في إطار رؤية تعتبر التحول الأخضر خياراً وطنياً لا شعاراً بيئياً فقط.
وراء كل بدّالة تدور، رسالةٌ حضارية تقول إن التقدّم لا يُقاس بعدد السيارات الفارهة، بل بمدى انسجام الإنسان مع محيطه. وهكذا تواصل هولندا، بعجلاتها التي لا تهدأ، رسم ملامح مستقبل أنظف وأكثر إنسانية، حيث تتحوّل الدراجة من وسيلة نقل إلى رمز لهوية وطنية متفردة.
14/10/2025