في تصريحٍ يعكس التحوّل العقائدي الخطير داخل معسكر اليمين الإسرائيلي، خرج وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بتصريحاتٍ نارية جديدة أعلن فيها بوضوح: “ستكون هناك مستوطنات يهودية في غزة لأنها أرض إسرائيل، ومن دون استيطان لا يوجد أمن”.
وجاءت هذه الكلمات خلال احتفالات دينية في مدينة سديروت بمناسبة “عيد فرحة التوراة”، لكنها سرعان ما تحوّلت إلى رسالة سياسية مشفّرة تعلن رفض اليمين الإسرائيلي لأي انسحاب من القطاع أو أي مسار نحو التسوية.
سموتريتش، المعروف بخطابه الديني الصهيوني المتطرف، لم يتحدث بلغة وزير في حكومة، بل بلغة “نبي قومي” يرى في الأرض وعدًا مقدسًا لا يمكن التنازل عنه.
فحين قال: “لن نستثمر شيكلًا واحدًا في التحصينات، بل في التعليم والبناء والبنى التحتية… في غزة”، كان في الواقع يؤسّس لخطاب استيطاني جديد، يربط الوجود الإسرائيلي بالأمن، ويحوّل الاستيطان من خيار سياسي إلى واجب ديني ووجودي.
هذه اللغة تعبّر عن عقيدة “الأمن بالتوسع” التي تأسس عليها المشروع الصهيوني منذ 1948، والتي ترى أن بقاء إسرائيل لا يتحقق إلا بالسيطرة الميدانية على كل ما يحيط بها، من الضفة الغربية إلى غزة، مرورًا بالقدس والجولان.
تأتي هذه التصريحات في وقتٍ تسعى فيه واشنطن إلى فرض تسوية جزئية لإنهاء الحرب على غزة، تقوم على انسحاب تدريجي للجيش الإسرائيلي وبدء مرحلة إعادة الإعمار بإشراف دولي.
لكن سموتريتش ومن معه – مثل إيتمار بن غفير وعمحاي إلياهو – يبدون إصرارًا على تقويض أي اتفاق قد يُضعف النفوذ الإسرائيلي داخل القطاع، حتى وإن أدى ذلك إلى عزل إسرائيل سياسيًا وإطالة أمد الصراع.
وبينما يصرّ اليمين على “حق إسرائيل في غزة”، يحاول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الموازنة بين الضغوط الدولية وبين تحالفه الهشّ مع التيارات الدينية القومية، في مشهد يُعيد إلى الأذهان أزمة الهوية السياسية لإسرائيل بين منطق الدولة ومنطق العقيدة.
من منظور مغربي، لا يمكن قراءة تصريحات سموتريتش إلا كجزء من تحوّل بنيوي في التفكير الإسرائيلي: انتقال من خطاب الدفاع إلى خطاب “الحق الإلهي في التوسع”.
ففي الوقت الذي يعيش فيه أهل غزة مأساة إنسانية غير مسبوقة، يخرج صوت رسمي في الحكومة الإسرائيلية ليتحدث عن “البناء والاستقرار في غزة” – لا بوصفها أرضًا محتلة، بل كجزءٍ من “أرض الميعاد”.
يرى محللون مغاربة أن هذه التصريحات ليست مجرد شطحة أيديولوجية، بل إشارة مقلقة إلى مشروع استعماري متجدد، يسعى إلى تطبيع فكرة الاستيطان بعد الحرب، وتحويل المأساة الفلسطينية إلى فرصة للتوسع الجغرافي والسيطرة الديموغرافية.
في ظل هذا السياق المشحون، يبقى السؤال الأكبر:
هل يدرك العالم أن اليمين الإسرائيلي يخطّط لغزة ما بعد الحرب بعقلية ما قبل 1967؟
وإلى أي مدى ستسمح القوى الكبرى بتحويل ركام غزة إلى مختبر سياسي لاستعمارٍ جديدٍ مغطى بخطاب الأمن الإنساني؟
قد تبدو تصريحات سموتريتش صادمة، لكنها في عمقها تعبّر عن جوهر الفكرة الصهيونية التي لم تتغير يومًا:
أن “السلام” لا يتحقق إلا حين تُخضع الضحية لإملاءات القوة، وأن “الأمن” في المنظور الإسرائيلي لا يُبنى بالتعايش، بل بالهيمنة.
15/10/2025