في وقت يفترض فيه أن تكون السلطة حامية للمواطن والقانون، اكتشفت “كواليس الريف” فضائح تفوق أسوأ السيناريوهات: منتخبون ورؤساء جماعات يمارسون الفساد كأنه إرث متوارث، يعبثون بالأموال العامة ويزوّرون الوثائق الإدارية وكأن القانون مجرد ورقة مزقتها الرياح …!
تقارير لجن المفتشية العامة للإدارة الترابية، التي كشفت تورط المعنيين ، لم يتم تحريكها في وزارة الداخلية، تاركة الفساد يحتفل بلا خجل، والفضائح تتكدس على رفوف الصمت الرسمي، بينما المواطن يترقب ويتألم لحال جماعاته بالمنطقة .
هذه ليست قصة فساد عادية، بل قنبلة موقوتة تتدحرج في أروقة الدولة، تكشف عن شبكة منظمة من الموظفين والمنتخبين الذين يتاجرون بالقانون والوظيفة العامة، وسط تجاهل مذهل من السلطة التنفيذية .
شهدت أربع جماعات بإقليم الناظور، وهي الناظور وبني أنصار وبوعرك وأولاد ستوت، فضائح من العيار الثقيل، بعد أن أعدّت المفتشية العامة للإدارة الترابية تقريرًا أسود يفضح تورّط منتخبين ورؤساء جماعات وموظفين في ممارسات مالية وإدارية خطيرة، تستدعي المثول الفوري أمام محاكم جرائم الأموال، وتفرض العزل دون تأخير.
الغريب والمدهش أن هذه التقارير القنبلة ما زالت حبيسة الرفوف ، رغم مرور أشهر عدة على إعدادها. وأقل الجماعات تورّطًا كانت أولاد ستوت، فيما حلت جماعات الناظور وبوعرك وبني أنصار في صدارة الفضائح، لتصبح هذه الجماعات ساحة مفتوحة للفساد والمناورات المشبوهة.
مصادر “كواليس الريف” المسؤولة ، تكشف أن التحقيقات أظهرت اتهامات خطيرة ومباشرة ضد مسؤولين حاليين وسابقين بجماعات الناظور وبوعرك، وبني أنصار …، إضافة إلى عدد من الموظفين. التهم تتعلق بتلاعب فاضح في شهادات استمرار الملكية، إصدار رخص بناء أحادية ، وأهرى غير قانونية ، وشهادات قسمة صادرة دون أي سند قانوني، بل وأحيانا لصالح أشخاص لا علاقة لهم بالأراضي المعنية.
ولم تقتصر الفضيحة على ذلك، فقد كشف تحقيق لجنة التفتيش عن شبكة منظمة تضم منتخبين مسؤولين وموظفين يسهلون تمرير الوثائق مقابل مبالغ مالية ضخمة، وهو ما كان سيفتح الباب على مصراعيه لمتابعات قضائية وإدارية قد تهز المنطقة بأكملها، وربما تكشف المزيد من الأسماء الوازنة التي لطالما كانت في الظل.
وفي أحدث خيوط القضية، تمكنت اللجنة من الوصول إلى شهادة إدارية مشبوهة مرتبطة بمشروع تجزئة بحي “عاريض”، صدرت في ظروف غامضة، واستُخدمت لاحقًا لفتح مسالك غير قانونية وإتمام إجراءات تجزئة مزورة، كذلك الشأن لتجزئتين ببني أنصار …. في خطوة قد تجعل المسؤولين عن صدورها أمام القضاء مباشرة، ومهددة لمستقبلهم السياسي والإداري.
وعلى الرغم من كل هذه المعطيات الصادمة، فإن التقرير الأسود ظلّ عالقًا ، وكأن شيئًا لم يحدث، فيما المواطنون والمراقبون يترقبون بحذر: هل ستتحرك الوزارة لتطبيق القانون، أم أن الفساد سيظل يحتفل في صمت، رافضًا أن يزعجه أحد ؟
ويبدو أن تقارير المفتشية العامة في المغرب تتبع قاعدة كلاسيكية لا تقبل الجدال: كل فضيحة عظيمة تحتاج إلى رف عميق في الوزارة لتستقر بسلام، بعيدًا عن أعين الشعب والقضاء، لتصبح تحفة فنية من الفساد تُعرض في معرض صامت لا يزوره إلا الغبار والرفوف، وسط صمت يوشك أن يتحوّل إلى فضيحة أكبر من أي تقرير أسود.
16/10/2025