قالوا قديماً في زجل مغربي بكلام موزون: «المْزَوَّقْ من برّا آش خبارك من دَاخِل؟»، وهذه المقولة ليست مجرد مبالغة في حق سادس أجمل مدينة في العالم، شفشاون القدّيسة، بل هي حقيقة لا يمكن إنكارها، خاصة مع متابعتي لمستجداتها رغم بعدي عنها، فهي مسقط رأسي وموطن نشأتي ومسرح مشوار حياتي.
وفي هذا السياق، يقول المفكر والفيلسوف الماركسي ليون تروتسكي: «إن الحقيقة دائمًا جارحة لكنها ضرورية كوسيلة للإصلاح، أما الكذب فيستخدم لإنقاذ ماء الوجه، لكنه لا يصلح لتربية الأجيال.»
يتميز إقليم شفشاون بخصائص عدة: غطاء غابوي كثيف، تساقطات مطرية غزيرة، زراعة القنب الهندي/الكيف، وسياحة نشطة. هذه الخصائص تتفاعل لتنتج وضعين متناقضين:
1 – وضع سلبي بالنسبة لسكان الإقليم، حيث يُشتبه في كل مواطن حتى تثبت براءته.
2 – وضع إيجابي بالنسبة للمسؤولين، الذين يتسابقون على الإقليم من مختلف المناصب المدنية والعسكرية.
وقد انعكس هذان الوضعان بشكل كبير على الحالة العامة للإقليم، سواء على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي أو الثقافي والرياضي أو السياسي:
الوضع الاقتصادي والاجتماعي:
يبقى الوضع الاقتصادي والاجتماعي في شفشاون مفتوحًا على كل الاحتمالات، خاصة في ظل سياسة التهميش والإقصاء التي يعيشها الإقليم. إذ يتم اختيار المشاريع التنموية الكبرى بشكل عشوائي بعيدًا عن الاحتياجات الحقيقية للإقليم، مما يؤدي إلى تأثير سلبي مباشر على حياة السكان. رغم بعض المشاريع الترقيعية المؤقتة، فإن الواقع الاجتماعي يظل صعبًا، مع استفادة فئة محدودة من الفساد المحلي. يغيب مفهوم المنافسة والمراقبة، وتتواطأ السلطات مع لوبي محلي محتكر للتحكم في موارد الإقليم، من خضر، وأسماك، ولحوم، وعقار، وغيرها. كما أن الصناعة التقليدية التي كانت مصدر رزق لشرائح واسعة من السكان، تعرضت للغزو بمنتجات لا تتوافق مع طبيعة الإقليم الجبلية.
الوضع الثقافي والرياضي:
تاريخيًا، وقبل انتشار زراعة الحشيش، كانت شفشاون تعرف حركة ثقافية غنية: ملتقيات شعرية، ندوات فكرية، ومهرجانات موسيقية، مما أتاح لأبنائها التواصل على الصعيد الوطني والدولي. خرجت المدينة مفكرين وشعراء وكتابًا وحقوقيين وصحفيين شكلوا مصدر فخر لساكنتها. أما اليوم، فقد تراجعت الحياة الثقافية بشكل واضح، وغطت التفاهة الإعلامية على أي نشاط هادف. هذا التدهور نتج عن سنوات التهميش والقمع التي شهدها الإقليم، فيما تراجع الوضع الرياضي بشكل مماثل، حيث تم استغلال المرافق الرياضية وتحويلها إلى مشاريع مربحة من قبل لوبي العقار، مما دفع بشريحة كبيرة من الشباب إلى الانزلاق نحو المخدرات والفكر الظلامي.
الوضع السياسي:
على الصعيد السياسي، لا يختلف الوضع في شفشاون كثيرًا عن باقي مناطق المغرب. فالتمثيلية الحزبية موجودة شكليًا، لكن السلطة الفعلية تظل بيد الإدارة الإقليمية، بينما المنتخبون، سواء كانوا في الأغلبية أو المعارضة، يفتقدون للقدرة على اتخاذ القرارات. هذا الوضع أدى إلى ترك المواطنين لمواجهة مشاكلهم اليومية دون حلول حقيقية، مع خلق انتصارات وهمية لشباب الإقليم، الذين يجدون أنفسهم محاصرين بثلاثية التحديات: الحشيش، الانتحار، والهجرة.
هذه حقيقة ثابتة لا يمكن إنكارها، وإن كانت تبدو متشائمة، إلا أن هناك تفاؤلًا بالإصلاح لدى أبناء الإقليم، بدءًا من نشر ثقافة التمسك بالحياة وطرح البدائل في مختلف المجالات لمواجهة التهميش والاحتكار وسوء إدارة السلطة. التحدي الحقيقي يقع على عاتق المجتمع المدني لاستعادة مكانة شفشاون كقلعة للتحدي، بعيدًا عن تزييف الحقائق واستغلال السياحة والمناصب لصالح فئة محددة، مع التركيز على معالجة قضايا الشباب الأساسية، لا سيما الانتحار والهجرة وتنظيم زراعة القنب الهندي.
بقلم : عبد الإله شفيشو — فاس
16/10/2025