في مشهد يعيد فتح جراح الماضي بين لبنان وليبيا، قرر القضاء اللبناني، صباح الجمعة 17 أكتوبر 2025، الإفراج عن هانيبال القذافي، نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، مقابل كفالة مالية ضخمة بلغت 11 مليون دولار، مع منعه من السفر إلى حين استكمال التحقيقات في واحدة من أكثر القضايا حساسية في المنطقة: اختفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه.
القرار الذي صدر عن المحقق العدلي القاضي زاهر حمادة، بعد جلسة استجواب مطوّلة في قصر العدل ببيروت، أثار موجة واسعة من التعليقات بين الأوساط القانونية والسياسية، بالنظر إلى الرمزية التي يحملها اسم القذافي، وإلى الخلفيات التاريخية المعقدة للقضية التي تعود إلى أواخر السبعينات، حين كان لبنان يعيش على وقع الحرب الأهلية وتداخل النفوذ الإقليمي.
ووفق ما أكدته مصادر قضائية لبنانية، فقد حضرت جلسة الاستجواب هيئة الدفاع عن عائلة الإمام الصدر، في حين اكتفى القذافي الابن بالتأكيد على براءته من أي صلة بالقضية، مجددًا القول إن «المعلومات الحقيقية حول مصير الإمام الصدر توجد لدى مسؤولين ليبيين سابقين»، في إشارة إلى عبد السلام جلود وأحمد قذاف الدم.
القضية التي ألقت بظلالها على العلاقات اللبنانية–الليبية منذ أكثر من أربعة عقود، بدأت فصولها الحديثة سنة 2015 حين استُدرج هانيبال القذافي إلى لبنان تحت ذريعة متابعة ملف شقيقه سيف الإسلام أمام المحكمة الجنائية الدولية، قبل أن يتم اختطافه من طرف مجموعة مسلحة طالبت بالكشف عن مصير الإمام المغيّب.
ورغم أن القذافي لم يكن يتجاوز العامين عند وقوع حادثة الاختفاء سنة 1978، فإن القضاء اللبناني رفض طلبًا سوريًا بإعادته إلى دمشق، مبررًا ذلك بكونه «قد يمتلك معلومات حساسة» تتعلق بالقضية، وهو ما اعتبره مراقبون دليلاً على الطابع السياسي الذي لا يزال يطغى على الملف أكثر من بعده القضائي.
في المقابل، يرى محللون أن قيمة الكفالة غير المسبوقة قد تكون رسالة ضمنية تحمل أكثر من تأويل: فبين من يعتبرها خطوة تمهيدية لإنهاء الملف عبر تسوية سياسية هادئة، ومن يرى فيها محاولة لرفع الضغط عن السلطة القضائية اللبنانية في ظلّ أزماتها الداخلية المتفاقمة، تبقى الحقيقة أن ملف الإمام موسى الصدر لا يزال عصيًا على الإغلاق، بل يفتح من جديد كلما احتدم الصراع في المنطقة.
ويتابع الشارع العربي، خاصة في المغرب الذي تربطه بلبنان وليبيا علاقات تاريخية وروحية متجذرة، هذه التطورات بقدر من الاهتمام والحذر، إذ يرى العديد من المتابعين أن القضية لم تعد مجرد ملف قضائي لبناني داخلي، بل تحوّلت إلى قضية عربية عابرة للحدود، تتقاطع فيها السياسة والعدالة وذاكرة المظلومية التاريخية التي لا تزال تلقي بظلالها على المشهد الإقليمي إلى اليوم.
17/10/2025