في زمنٍ تتسارع فيه التحولات الجيوسياسية نحو الوضوح، يبدو أن الضباب الذي لفّ قضية الصحراء المغربية لعقود بدأ ينقشع نهائياً، تاركاً النظام الجزائري وجهاً لوجه أمام مرآة الحقيقة المرة: العالم تغيّر، والمعادلة القديمة لم تعد صالحة للاستهلاك الدبلوماسي.
فبعد أكثر من نصف قرن من الإنفاق الجنوني تجاوز 500 مليار دولار على مشروع انفصالي بلا قاعدة قانونية ولا سند واقعي، وجدت الجزائر نفسها عارية سياسياً أمام المجتمع الدولي، بلا أوراق ضغط، وبلا رصيد من الثقة، سوى خطابٍ شعبويٍ متهالك يعيد نفس الشعارات التي تجاوزها الزمن ولفظها المنطق.
الحدث الأخير في نيويورك لم يكن مجرد “تسريب دبلوماسي”، بل زلزال سياسي صامت أعاد ترتيب الموازين داخل أروقة الأمم المتحدة.
فقد كشفت مصادر أممية عن تسريب فرنسي لمسودة القرار الأمريكي حول الصحراء المغربية، أثار غضب السفير الجزائري لدى الأمم المتحدة عمار بن جامع، بعد أن اكتشف أن النص يميل بشكل واضح إلى الاعتراف الواقعي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، مع تثبيت مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الحل الجاد والوحيد القابل للتطبيق.
تؤكد المعطيات أن الجزائر تعيش توترًا داخليًا غير مسبوق داخل بعثتها الأممية، في وقتٍ حاولت فيه باريس امتصاص الصدمة دون جدوى.
الحقيقة باتت واضحة: العالم لم يعد يقبل بسياسة الإنكار والعناد، ولا يعترف بشرعية كيان وهمي يعيش على حساب معاناة آلاف الأشخاص المحتجزين في مخيمات تندوف، رهائن لوهم سياسي صنعته الأجهزة الجزائرية وأخفق في إنتاج أي مكسب واقعي أو إنساني.
منذ سنة 2007، قدّم المغرب مبادرته للحكم الذاتي تحت سيادته الوطنية كحلٍّ نهائي واقعي وذي مصداقية.
واليوم، وبعد قرابة عقدين من المناورات، تتجه الدبلوماسية الدولية نحو تبنّي هذه المبادرة كأساس للحل النهائي، فيما تتساقط أوراق الجزائر تباعاً: لا دعم إفريقي كما كان، ولا غطاء أوروبي كما يُروَّج، ولا حتى حليف أممي مستعد لإنقاذ سردية فقدت جاذبيتها ومصداقيتها.
يقول المراقبون إن ما جرى في نيويورك ليس سوى الترجمة العملية لانتهاء صلاحية الخطاب الدبلوماسي الجزائري في ملف الصحراء.
فعقودٌ من الاعتماد على الصراخ في المنابر، والضغط عبر لوبيات منهكة، وتمويل إعلام خارجي موجه ضد المغرب، لم تُثمر سوى صورة نظامٍ يعيش خارج الزمن الدبلوماسي.
في المقابل، اختارت الرباط طريقاً مختلفاً: الهدوء، الاتزان، والاشتغال الميداني العميق داخل الأمم المتحدة، مقترناً بتنمية متواصلة في الأقاليم الجنوبية، جعلت من الطرح المغربي خياراً ذا شرعية واقعية ومصداقية ميدانية.
المغرب لا يفاوض على سيادته، ولا يطلب اعترافاً بما هو ثابت تاريخياً وقانونياً.
ما يسعى إليه اليوم هو ترجمة الحقائق الميدانية إلى مواقف قانونية أممية، لأن التنمية الشاملة، والبنية التحتية المتقدمة، والمشاركة السياسية في الأقاليم الجنوبية، كلها حقائق تفرض نفسها كبرهان حي على مغربية الصحراء.
أما الجزائر، فتقف أمام فراغ دبلوماسي وإنساني: لا مشروع واضح، ولا رؤية مستقبلية، ولا مخرج مأمون من مأساة مخيمات تندوف التي تحولت إلى مرآة قاسية تُظهر فشل النظام في إدارة الوهم بدل بناء الإنسان.
مع اقتراب جلسة مجلس الأمن يوم 30 أكتوبر الجاري، يبدو أن لحظة الحقيقة اقتربت.
العالم يسير بخطى ثابتة نحو الاعتراف الكامل بالموقف المغربي كحل واقعي ونهائي، فيما تُدرك الجزائر، ولو متأخرة، أن الزمن لم يعد في صالحها، وأن رهانها على استدامة النزاع كان خطأً استراتيجياً فادحاً.
إنها مرحلة جديدة تُكتب بمداد الواقعية والشرعية الدولية، حيث تسقط الشعارات، وتبقى الجغرافيا والسيادة المغربية ثابتتين كحقيقة لا تُنكر.
ولذلك، من لم يفهم بعد أن الصحراء مغربية بقرار التاريخ والجغرافيا والسيادة والشرعية الأممية، فليستعد ليسمع الحقيقة قريباً… من فم مجلس الأمن نفسه.
19/10/2025