kawalisrif@hotmail.com

سويسرا تُنهي معاناة الكركند … حين تنتصر الإنسانية على طقوس المطبخ

سويسرا تُنهي معاناة الكركند … حين تنتصر الإنسانية على طقوس المطبخ

في خطوةٍ وُصفت بأنها انتصار للأخلاق قبل أن تكون مجرد قانون، أقرّت الحكومة السويسرية سنة 2018 تشريعًا جديدًا لحماية الحيوانات، يمنع طهي الكركند الحي عبر إلقائه في الماء المغلي — ممارسة ظلّت لقرون تُعدّ من “طقوس الفخامة” في المطابخ الأوروبية الراقية.

القانون، الذي دخل حيّز التنفيذ في يناير من العام نفسه، ألزم المطاعم والموزّعين بصعق القشريات، ومن بينها الكركند، قبل ذبحها، معتبرًا أن إلقاء الحيوان الحي في الماء المغلي يُعدّ تعذيبًا صريحًا لا يليق بمجتمعٍ يدّعي التحضّر. كما حظر نقل الكركند فوق الجليد أو في الماء المثلج، داعيًا إلى توفير بيئةٍ قريبةٍ من تلك التي يعيش فيها في البحر قبل الطهي.

لم يأتِ القرار من فراغ، بل يعكس تحوّلًا عميقًا في الوعي الأوروبي تجاه معاناة الكائنات الحية.
فبعد سنوات من الجدل بين العلماء والطهاة وجمعيات الرفق بالحيوان، حسمت سويسرا النقاش بالاعتراف بأن القشريات تمتلك جهازًا عصبيًا قادرًا على الإحساس بالألم، ما يجعل عملية الغلي الحي ليست “تقنية طهي” فحسب، بل فعل قسوةٍ مغلّف ببخار التقاليد.

ولأن سويسرا معروفة بدقّتها القانونية وحساسيتها البيئية، فقد جاء القانون ليكرّس فلسفة “الاحترام الشامل للحياة” حتى في تفاصيل المطبخ، في بلدٍ يرى في كرامة الحيوان انعكاسًا مباشرًا لكرامة الإنسان.

ومن زاوية مغربية، يطرح القرار سؤالًا أعمق حول موقع الرحمة في السلوك الحضاري.

فالمغرب، الذي يستمدّ قيمه من إرثٍ دينيٍ وثقافيٍ عريق يقوم على مبدأ “الرِّفق بالحيوان”، لطالما دعا — عبر نصوصه الشرعية وسلوكه الشعبي — إلى تجنّب الإيذاء حتى في الذبح المشروع.

وهكذا يلتقي البُعد الإنساني الغربي، الذي تحرّكه الحساسية الحقوقية الحديثة، مع البُعد الروحي المغربي، الذي يجعل من الرحمة مقياسًا للتحضّر الحقيقي، لا مجرّد شعار قانوني.

ففي الوقت الذي تكتشف فيه أوروبا “حق الكركند في الموت الرحيم”، تذكّرنا الثقافة المغربية بأن الرحمة ليست ترفًا أخلاقيًا، بل ممارسة يومية تتجذّر في الضمير الجمعي، من طريقة الذبح إلى معاملة الحيوان في الأسواق والمزارع.

القانون السويسري أعاد النقاش حول حدود تدخل الدولة في حماية الكائنات الحية، لكنه في العمق أعاد تعريف معنى الرقي الإنساني: أن تُعامل المخلوقات الأخرى بما يليق بإنسانيتك أنت.

ولعلّ هذا ما يجعل التجربة السويسرية أكثر من مجرد “قرار تنظيمي”، بل درسًا كونيًا في التوازن بين العلم والضمير والذوق — وهي المعادلة التي تحتاجها كل المجتمعات في زمنٍ تتسارع فيه الآلات أكثر من القيم.

فبينما اختارت سويسرا أن تُصعق الكركند قبل طهيه احترامًا لألمه، ما زال العالم يصعق الضمير الإنساني في قضايا أكبر وأقسى.

ومع ذلك، يذكّرنا هذا القرار البسيط بأن التحضّر الحقيقي يبدأ من التفاصيل الصغيرة… من طريقة تعاملنا مع أضعف الكائنات، قبل أن نرفع الشعارات عن حقوق الإنسان.

19/10/2025

Related Posts